
في تصريح لا يقل خطورة عن أفعاله، خرج بنيامين نتنياهو مؤخرًا ليقول إنه يشعر بأنه في “مهمة تاريخية وروحية” مرتبطة برؤية “إسرائيل الكبرى” التي تمتد — حسب تصوّره — إلى فلسطين وجزء من الأردن وجزء من مصر.
هذا الكلام ليس لغوًا سياسيًا، بل هو إعلان صريح عن جوهر المشروع الصهيوني الذي يسير بخطوات محسوبة منذ عقود، مغطّى برداء ديني توراتي، ومدعوم بتحالف “الصهيونية المسيحية” في أمريكا وأوروبا، الذي يرى في هذا التوسّع تمهيدًا لنبوءات دموية.
هذه ليست حربًا على الأرض فحسب؛ إنها حرب على الهوية، على الوجود، وعلى الدين ذاته. نتنياهو يقدّم نفسه كأداة تنفيذ لإرادة إلهية مزعومة، فيما هو في الحقيقة يتزعم مشروعًا استعماريًا إحلاليًا، هدفه النهائي محو فلسطين وابتلاع ما حولها، وتحويل المنطقة إلى مسرح طاعة لإسرائيل، وأرض مفتوحة للمستوطنين، وخالية من أصحابها الأصليين.
فهل العرب غافلون أم متواطئون؟.
جزء من الأنظمة العربية هرول نحو التطبيع تحت شعارات الاستثمار والسلام، وفتحت الأبواب أمام اختراق اقتصادي وأمني إسرائيلي.
في المقابل، أبدت مصر والأردن مواقف رسمية رافضة لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيهما، لكن الخطر لم ينتهِ؛ فالضغط السياسي والاقتصادي والأمني قد يُحوِّل الموقف من الرفض إلى القبول تحت ذريعة “الضرورة” أو “المصالح العليا”.
السؤال: هل تدرك هذه الدول أن أي تهجير من غزة أو الضفة سيحوّلها إلى شريك مباشر في جريمة تاريخية ستلاحقها أجيالًا؟
هل يعرف قادة العرب أن الصمت اليوم يعني فتح الباب غدًا لخرائط إسرائيل الكبرى التي ستبتلع أراضيهم؟
إن هذا المخطط الصهيوني المسيحي غطاء ديني لاحتلال استعماري. التحالف بين اليمين الديني اليهودي واليمين الإنجيلي الأمريكي ليس تحالفًا تكتيكيًا عابرًا؛ إنه شراكة عقائدية ترى في فلسطين مركزًا لمعركة نهاية الزمان.
الدعم المالي والسياسي والإعلامي الذي يتلقاه الاحتلال من هذه القوى يجعل أي “حل سياسي” حقيقي أمرًا مستحيلًا دون مواجهة هذا التيار نفسه على أرضه وبين جمهوره.
“ما العمل قبل وقوع الكارثة؟”
1. فلسطين:
تثبيت الوجود ورفض أي مشاريع “مناطق آمنة” أو “معابر إنسانية” تؤدي عمليًا إلى التهجير.
توحيد البنية الشعبية والمدنية لمواجهة الاحتلال عبر العمل القانوني والميداني.
2. مصر والأردن:
سنّ قوانين تُجرّم أي قبول بتهجير الفلسطينيين أو توطينهم قسرًا.
تنسيق دبلوماسي مشترك لمواجهة أي ضغوط أمريكية أو إسرائيلية في هذا الملف.
3. العرب والمسلمون:
وقف أي خطوات تطبيع جديدة، وربط العلاقات القائمة بشروط واضحة: وقف الاستيطان، الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ورفع الحصار.
تمويل منظومة تقاضٍ دولية تستهدف محكمة العدل ومحكمة الجنايات لملاحقة قادة الاحتلال.
4. العالم الحر:
دعم العقوبات الاقتصادية وحظر السلاح على إسرائيل حتى توقف الجرائم ضد الإنسانية.
مقاطعة الشركات المتورطة في الاستيطان والانتهاكات.
الرسالة الأخيرة:
إن ما يقوله نتنياهو اليوم ليس رأيًا شخصيًا، بل هو إفصاح عن عقلية تحكم الاحتلال منذ نشأته: عقيدة استعمارية تتغطّى بالدين وتتحالف مع قوى عالمية ترى في فلسطين بداية مشروع كوني.
إذا لم تتحرك الشعوب، ويصحو العرب — وخاصة مصر والأردن — قبل أن يكتمل المخطط، فسيستيقظ الجميع على حدود جديدة، وواقع لا رجعة فيه، وخرائط لا تعترف بنا إلا كأرقام في كتب التاريخ.