تقرير أممي موسع: العنف الطائفي في الساحل السوري يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية

جنيف – لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية –
أكدت لجنة التحقيق الدولية، في تقريرها الشامل حول الأوضاع في الساحل السوري، أن موجة العنف الطائفي التي اجتاحت المنطقة خلال الأشهر الماضية تُصنَّف، وفق القانون الدولي، على أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مع تورط أطراف متعددة، من قوات موالية للنظام السابق وأخرى مرتبطة بالسلطات الجديدة، في ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق شملت القتل الجماعي، التعذيب، العنف الجنسي، والتهجير القسري.
خلفية الأحداث
أوضحت اللجنة أن مناطق الساحل، وعلى رأسها محافظة اللاذقية وريفها، شهدت منذ مطلع العام تصاعدًا خطيرًا في حدة التوترات الطائفية، تخلله انهيار شبه كامل لمنظومات الأمن المحلية، وفشل في حماية المدنيين.
وأشار التقرير إلى أن هذه التطورات جاءت في سياق سياسي وأمني معقد، حيث شهدت سورية مرحلة انتقالية حساسة تخللتها صراعات على النفوذ بين قوى محلية وإقليمية، ما ساهم في إذكاء العنف وزيادة حدته.
تفاصيل الوقائع الميدانية حسب المناطق
1. ريف اللاذقية الشمالي
أفاد التقرير أن قرى وبلدات ريف اللاذقية الشمالي كانت مسرحًا لعمليات اقتحام واسعة النطاق نفذتها مجموعات مسلحة تابعة لقوات موالية للنظام وأخرى مرتبطة بتشكيلات شبه عسكرية محلية.
شملت الانتهاكات إعدامات ميدانية بحق رجال وشبان من طائفة معينة، واعتقالات تعسفية طالت العشرات، فضلًا عن إحراق ممتلكات خاصة، وتدمير منشآت خدمية أساسية، منها مدارس ومراكز طبية.
2. جبلة والقرداحة
أورد التقرير أن مدينتي جبلة والقرداحة شهدتا موجات عنف متبادلة، شملت هجمات انتقامية على خلفية انتماءات مذهبية.
رصدت اللجنة حالات خطف وقتل خارج نطاق القانون، إضافة إلى تعذيب المحتجزين في مراكز احتجاز غير رسمية، وإجبار ذوي الضحايا على توقيع وثائق تفيد بأن القتل وقع “لأسباب شخصية” لإخفاء الطابع الطائفي للجريمة.
3. بانياس وطرطوس
أشار التقرير إلى أن مناطق بانياس وبعض أحياء طرطوس كانت مسرحًا لعمليات تهجير قسري منظمة استهدفت عائلات من طوائف معينة، حيث تم إخلاء أحياء بأكملها بالقوة.
كما وثقت اللجنة استخدام العنف الجنسي كسلاح للترهيب، بما في ذلك حالات اغتصاب جماعي ارتكبتها مجموعات مسلحة أثناء عمليات التفتيش الليلية.
4. القرى الجبلية النائية
أوضح التقرير أن القرى الجبلية البعيدة عن المراكز الحضرية كانت أكثر عرضة لانتهاكات غير موثقة، نظرًا لصعوبة وصول المنظمات الحقوقية إليها.
وأوردت اللجنة شهادات لمدنيين فروا عبر الجبال، تحدثوا عن إحراق كامل للمنازل، وتدمير محاصيل، وقطع الطرق المؤدية إلى مصادر المياه.
أنماط الانتهاكات الموثقة في تقرير لجنة التحقيق الدولية
1. القتل خارج نطاق القانون
أكد التقرير أن القوات الموالية للنظام وبعض التشكيلات المسلحة المرتبطة بالسلطات الجديدة نفذت عمليات إعدام ميداني ممنهجة، استهدفت بشكل رئيسي الرجال والشبان على أساس انتماءاتهم الطائفية أو السياسية.
وأشار إلى أن بعض هذه الإعدامات تمت أمام ذوي الضحايا، بغرض بث الرعب وإجبار العائلات على النزوح.
2. التعذيب وسوء المعاملة
وثقت اللجنة استخدام أساليب تعذيب وحشية في مراكز احتجاز رسمية وغير رسمية، منها الصعق بالكهرباء، الحرمان من النوم، والضرب المبرح، إضافة إلى التعليق لفترات طويلة في أوضاع مؤلمة.
وأفاد ناجون بأن التعذيب كان يرافقه إهانات ذات طابع طائفي، ما يبرز البعد المذهبي للعنف.
3. العنف الجنسي
كشف التقرير عن حالات اغتصاب فردي وجماعي، ارتكبت بحق نساء وفتيات، وأحيانًا بحق رجال، في سياق حملات اقتحام واعتقال.
وأشارت اللجنة إلى أن هذه الجرائم ارتُكبت كوسيلة للإذلال الجماعي ولإجبار السكان على مغادرة مناطقهم.
كما أورد التقرير أدلة على أن بعض هذه الأفعال ارتُكبت بحضور قيادات ميدانية، ما يرفع من مسؤولية القيادة في القانون الدولي.
4. التهجير القسري
أبرز التقرير أن أحياء وقرى كاملة أُفرغت من سكانها عبر تهديدات مباشرة، أو عبر تدمير البنية التحتية اللازمة للحياة، كالمياه والكهرباء والمستشفيات.
وأكدت اللجنة أن التهجير تم في كثير من الحالات بناءً على قوائم أسماء معدة مسبقًا، ما يعكس التخطيط المسبق لهذه الانتهاكات.
5. التدمير الواسع للممتلكات
وثقت اللجنة عمليات نهب ممنهجة للمنازل والمحال التجارية، يعقبها إحراق أو تفجير، بهدف منع السكان من العودة.
كما أشارت إلى تدمير أراضٍ زراعية واقتلاع أشجار مثمرة، ما يمثل ضربًا لسبل العيش المستدامة للسكان المحليين.
شهادات الضحايا والمصادر الميدانية
1. شهادات الناجين
أجرت لجنة التحقيق الدولية مقابلات مباشرة مع عشرات الناجين من مختلف مناطق الساحل السوري، حيث تم نقل الشهادات في بيئات آمنة وسرية، لضمان عدم تعرض الشهود لعمليات انتقامية.
- امرأة من ريف بانياس، في الأربعين من عمرها، روت كيف اقتحم مسلحون منزلها ليلاً، واعتدوا عليها وعلى ابنتها المراهقة جنسيًا أمام زوجها، ثم اقتادوا الأخير إلى جهة مجهولة. أكدت أن المهاجمين كانوا يرتدون زيًا عسكريًا ويحملون شارات ميليشيات محلية معروفة.
- شاب من ريف اللاذقية أوضح أنه نجا بأعجوبة بعد أن أُعدم خمسة من أصدقائه ميدانيًا أمام عينيه، بسبب اتهامهم بـ”التعاون مع طائفة أخرى”. قال إنه اضطر للفرار عبر الجبال دون أي مؤن، بعد إحراق منزله بالكامل.
- مزارع من القرى الجبلية تحدث عن قيام قوات مسلحة بتدمير حقوله المزروعة بالزيتون، وقتل الماشية، بهدف منعه وأسرته من العودة إلى أرضه.
2. شهادات موظفين سابقين
وثق التقرير إفادات لمسؤولين أمنيين وإداريين سابقين، أكدوا أن بعض الانتهاكات كانت تتم بمعرفة وتنسيق من قيادات رفيعة المستوى، وأن هناك تعليمات غير مكتوبة بتسهيل عمليات “إعادة التوازن الديمغرافي” في بعض المناطق.
3. مصادر طبية
أكد أطباء وممرضون في مشافي ميدانية أن الإصابات التي استقبلوها تضمنت جروحًا ناجمة عن التعذيب، واعتداءات جنسية، وحروقًا كيميائية.
وأشاروا إلى تعرض الكوادر الطبية نفسها للمضايقات والاعتقال عند محاولتهم تقديم العلاج للمصابين من “الطرف الآخر”.
4. صور وأدلة بصرية
أرفقت اللجنة بالتقرير عشرات الصور ومقاطع الفيديو التي حصلت عليها من شهود عيان، وأظهرت مشاهد إحراق المنازل، وجثثًا في الشوارع، وعلامات تعذيب واضحة على أجساد الضحايا.
تم التحقق من صحة هذه المواد عبر تحليل البيانات الوصفية (Metadata) ومطابقتها مع شهادات شهود العيان.
المسؤولية القانونية والمساءلة الدولية
1. توصيف الجرائم
أكدت لجنة التحقيق الدولية أن الانتهاكات الموثقة في الساحل السوري ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقًا للتعريفات الواردة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وأوضحت أن الطبيعة الممنهجة والواسعة النطاق لهذه الجرائم، بالإضافة إلى استهداف المدنيين على أساس الانتماء الطائفي أو السياسي، تمثل عناصر واضحة لجرائم ضد الإنسانية.
2. الأطراف المسؤولة
حدد التقرير عدة فئات مسؤولة عن الانتهاكات، تشمل:
- قوات النظام السوري السابقة في المنطقة.
- ميليشيات محلية مدعومة من جهات رسمية.
- مجموعات مسلحة مرتبطة بالسلطات الجديدة بعد التغيير السياسي.
- عناصر أجنبية شاركت بشكل مباشر أو عبر الإشراف على العمليات.
3. مبدأ مسؤولية القيادة
أشار التقرير إلى أن قادة الوحدات العسكرية والأمنية يتحملون مسؤولية مباشرة عن الأفعال التي ارتكبها مرؤوسوهم، إذا كانوا يعلمون بها أو كان ينبغي لهم أن يعلموا بها ولم يتخذوا الإجراءات اللازمة لمنعها أو معاقبة مرتكبيها.
كما شدد على أن تجاهل الانتهاكات أو غض الطرف عنها يشكل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي.
4. المساءلة الوطنية والدولية
حثت اللجنة الحكومة السورية على:
- توسيع نطاق التحقيقات المحلية لتشمل جميع الانتهاكات الموثقة، دون استثناء لأي طرف.
- ضمان استقلالية القضاء وحماية الشهود.
- إنشاء آليات للتعويض وجبر الضرر للضحايا.
وفي حال فشل الدولة في القيام بذلك، أوصت اللجنة المجتمع الدولي بـ:
- إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية.
- تفعيل الولاية القضائية العالمية في الدول الأعضاء لملاحقة الجناة.
- فرض عقوبات محددة على الأفراد والكيانات المتورطة.
5. حماية المدنيين ومنع تكرار الجرائم
شدد التقرير على ضرورة نشر مراقبين دوليين في مناطق الساحل، وتعزيز دور الأمم المتحدة في مراقبة وقف الانتهاكات، ودعم برامج المصالحة المجتمعية وإعادة الإعمار، لضمان عدم عودة العنف الطائفي.
تمام، نكمل مع الجزء الختامي – التوصيات النهائية وخطة العمل المقترحة:
التوصيات النهائية وخطة العمل
1. على الحكومة السورية
- توسيع جهود المساءلة لتشمل كافة الانتهاكات الموثقة في الساحل السوري، بغض النظر عن هوية الجناة أو انتماءاتهم.
- ضمان استقلالية السلطة القضائية وحمايتها من أي ضغوط سياسية أو أمنية.
- توفير حماية عاجلة للشهود والضحايا، بما يشمل إعادة توطين بعضهم في أماكن آمنة.
- وقف أي عمليات تهجير قسري أو تغيير ديمغرافي، وإعادة المهجرين إلى مناطقهم مع ضمان أمنهم.
2. على المجتمع الدولي
- إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية في حال عدم اتخاذ الحكومة السورية خطوات ملموسة نحو العدالة.
- فرض عقوبات فردية ودولية على القادة العسكريين والسياسيين المتورطين.
- تفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية في الدول القادرة على محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية.
- إرسال بعثات مراقبة دولية إلى مناطق الساحل لضمان وقف الانتهاكات.
3. على المنظمات الإنسانية
- تكثيف الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، خاصة النساء والأطفال الذين تعرضوا للعنف الجنسي أو فقدوا ذويهم.
- إعادة بناء البنية التحتية الأساسية مثل المستشفيات والمدارس في المناطق المتضررة.
- إطلاق برامج مصالحة مجتمعية لإعادة الثقة بين المكونات الطائفية.
4. على الأطراف المسلحة كافة
- الالتزام الصارم بالقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين وممتلكاتهم.
- وقف الاستهداف الطائفي والتحريض على الكراهية، ومعاقبة المسؤولين عن هذه الأفعال داخل صفوفهم.
خطة العمل المقترحة
قدمت اللجنة خارطة طريق زمنية على مدى 12 شهرًا تشمل:
- الأشهر 1–3: إطلاق لجنة وطنية مستقلة للتحقيق، بإشراف دولي.
- الأشهر 4–6: بدء المحاكمات المحلية أو إحالة القضايا للمحاكم الدولية.
- الأشهر 7–9: تنفيذ برامج إعادة الإعمار وإعادة المهجرين.
- الأشهر 10–12: تقييم شامل للوضع ورفع تقرير جديد للأمم المتحدة.