مركز حريات: فلسفة السلمية بمصر من 1919 إلى يناير – الإرث والاستراتيجية

يُقدّم مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية هذا الإصدار التحليلي – الاستراتيجي ضمن سلسلة “فلسفة التغيير والعمل السياسي”، بعنوان “فلسفة السلمية في مصر من ثورة 1919 إلى ثورة يناير: من الإرث التاريخي إلى الاستراتيجية المعاصرة”.
تتناول هذه الورقة بعمق مفهوم السلمية كخيار واعٍ وأداة استراتيجية للتغيير، في السياق المصري الممتد من أوائل القرن العشرين وحتى الحراك الشعبي في ثورة يناير 2011. وتستعرض الجذور التاريخية لهذا النهج، وخصوصية البيئة السياسية والاجتماعية المصرية التي جعلت السلمية أكثر الوسائل فاعلية، إضافة إلى تحليل دورها في الحفاظ على وحدة الصف الوطني وكسب الشرعية داخليًا وخارجيًا.
كما تقدّم الورقة استراتيجيات عملية لإعادة تفعيل السلمية في مواجهة التحديات الراهنة، مستفيدة من دروس الماضي ومتجنبة أخطاء التجارب العنيفة التي أضرت بقضايا التغيير في المنطقة.
في مسار الشعوب الباحثة عن الحرية والكرامة، تتعدد وسائل التغيير وتتنوع أدوات النضال، غير أن التجربة التاريخية تكشف أن السلمية – حين تكون خيارًا واعيًا واستراتيجية متكاملة – هي القاعدة الأكثر رسوخًا وقدرة على إحداث التحولات الكبرى بأقل كلفة بشرية ومجتمعية.
وفي السياق المصري، تبدو السلمية جزءًا من البنية الثقافية والوجدان الجمعي، الممتد من ثورة 1919 إلى ثورة يناير 2011، مرورًا بمحطات احتجاجية متفرقة أثبتت أن الحراك الجماهيري السلمي هو الأقدر على توحيد الصفوف، وكسب التعاطف، وانتزاع المكاسب.
لقد أظهرت ثورة يناير أن السلمية ليست ضعفًا، بل هي سلاح الشعب في مواجهة آلة القمع، قادرة على شلّ أعتى الأجهزة الأمنية عبر كسر حاجز الخوف، وتوسيع قاعدة المشاركة، وتجريد السلطة من المبررات السياسية والأخلاقية لاستخدام القوة.
المحور الأول: الجذور التاريخية للسلمية في مصر
1. من ثورة 1919 إلى انتفاضة 1977 إلى يناير 2011
في ثورة 1919، خرج ملايين المصريين في مظاهرات عمت المدن والقرى، رافعين شعار الاستقلال ورافضين الاحتلال البريطاني. ورغم المواجهات المحدودة، ظل الطابع العام للحراك سلميًا، مما سمح باستقطاب مختلف الفئات الاجتماعية والدينية تحت راية وطنية جامعة.
أما انتفاضة الخبز في يناير 1977، فقد اندلعت احتجاجًا على رفع الأسعار وتقليص الدعم، وبدأت سلمية، لكنها تحولت في بعض المناطق إلى مواجهات، وهو ما استغله النظام لتبرير القمع.
ثورة يناير 2011 كانت الذروة في الوعي بالسلمية كأداة للتغيير، حيث التزمت الملايين بها على مدار 18 يومًا، رغم محاولات الأجهزة الأمنية جرّ الحراك للعنف.
2. الثقافة الشعبية ورفض العنف الأهلي
يحمل المجتمع المصري نزعة تاريخية لتجنب الفوضى الداخلية، نابعة من الطبيعة الزراعية المستقرة التي جعلت الاستقرار قيمة مركزية في الوعي الجمعي.
3. أثر البنية الاجتماعية والسياسية
البنية الاجتماعية المتماسكة، وغياب الانقسامات الطائفية الحادة، ودور الدولة المركزية، كلها عوامل جعلت العنف خيارًا شبه مستحيل ورفعت من جدوى السلمية.
المحور الثاني: السلمية كأداة استراتيجية للتغيير
1. حشد الجماهير
السلمية تفتح الباب لمشاركة كل أطياف المجتمع، من مختلف التيارات والفئات، وهو ما يضاعف الزخم الشعبي.
2. حرمان النظام من تبرير القمع
القمع ضد احتجاجات سلمية يضع السلطة في مأزق أخلاقي، ويضعف خطابها أمام الداخل والخارج.
3. الشرعية الداخلية والخارجية
السلمية تعزز صورة الحراك أمام المجتمع الدولي، خصوصًا بعد أن ارتبط العنف في المنطقة بخطاب الإرهاب.
4. استثمار طويل المدى
التغيير السلمي يتيح الانتقال لمرحلة ما بعد الثورة بأقل خسائر اجتماعية.
المحور الثالث: السلمية في مواجهة العنف المسلح
1. الدروس المحلية
تجارب العنف في السبعينيات والثمانينيات أدت لزيادة القمع وتراجع الدعم الشعبي، وهو ما أكدته مراجعات الجماعة الإسلامية لاحقًا.
2. الدروس الإقليمية
أحداث الجزائر في التسعينيات وسوريا بعد 2011 أظهرت أن الانزلاق للعنف يفتح الباب لانهيار المجتمعات وتدخلات خارجية.
3. كيف يطيل العنف عمر الاستبداد
العنف يعيد تعريف الصراع كمسألة أمنية، ويمنح السلطة فرصة لإحكام قبضتها.
4. السلمية كسلاح مضاد
السلمية تُبقي الصراع سياسيًا، وتحافظ على البنية الاجتماعية، وتمنع الانقسامات.
المحور الرابع: خصوصية السياق المصري
- الدولة المركزية القوية تجعل المواجهة المسلحة عالية المخاطر.
- رفض العنف الأهلي في الثقافة الشعبية يعزز من فرص نجاح السلمية.
- السلمية ضامن لوحدة الصف الوطني، قادرة على احتضان كل الفئات السياسية والاجتماعية.
المحور الخامس: استراتيجيات تفعيل السلمية اليوم
- بناء شبكات مقاومة مدنية: مجموعات مجتمعية صغيرة، لجان توثيق، فرق دعم لوجستي.
- استخدام الإعلام الجديد: حملات منظمة، محتوى مرئي قصير، تعليم رقمي للنضال السلمي.
- توسيع التحالفات الوطنية: وثيقة مبادئ، توزيع أدوار، استثمار الرموز الوطنية.
- ابتكار أشكال نضال سلمي: فعاليات ثقافية، مقاطعة اقتصادية، احتجاجات رمزية.
- إدارة المخاطر: مرونة تنظيمية، تناوب قيادي، استراتيجية النفس الطويل.
الخاتمة والتوصيات
السلمية ليست ضعفًا ولا استسلامًا، بل قوة استراتيجية قادرة على إحداث التغيير في أصعب الظروف.
التوصيات العملية:
- صياغة ميثاق وطني للسلمية.
- بناء شبكات مقاومة مرنة.
- تطوير الإعلام الرقمي.
- توسيع التحالفات الوطنية.
- ابتكار أشكال جديدة للاحتجاج السلمي.
- إدارة المخاطر بخطط مرنة.
- دمج البعد الإقليمي والدولي.
- إصدار تحليلي – استراتيجي – تاريخي
سلسلة: فلسفة التغيير والعمل السياسي – مركز حريات – 2025
- إصدار تحليلي – استراتيجي – تاريخي
وهذا نص إصدار تحليلي – استراتيجي – تاريخي سلسلة: فلسفة التغيير والعمل السياسي – مركز حريات – 2025