
العدل هو الله في هذا الدين ولا أزيد.. أما في الدنيا فهو أساس شرعية الحكم ومشروعيته واستقرار الدولة الحديثة، والعامل الرئيسي في تطورها وازدهارها
كما أن العدل هو القاعدة المتينة التي ترتكز عليها قيم الأمم، والسياج الحامي لأخلاقها والمعاملات فيما بين الناس وبعضهم وبين المؤسسات والمجتمع.
وهو بذلك يمثل العروة الوثقى والأساس الذي يقوم عليه استقرار وسلام وأمان الأمة، والعامل الأهم في انتظام حياتها وتقدمها وتطورها وازدهارها. ولا يمكن لأمة من وجهة نظري أن يستقيم حالها وتتبوأ مكانًا لائقًا بين الأمم المتقدمة إذا غابت قواعد العدل والعدالة عن نظمها.
وللعدل أسس لقيامه وضمانات لتحقيقه وسياج لحمايته، منها:
1- التزام السلطة باحترام القيم المجتمعية والحقوق الفردية والمبادئ الإنسانية العليا المتعارف عليها والتي أقرتها المواثيق الدولية.
2- التزام إدارة الدولة باتباع الإجراءات والقواعد القانونية في التعامل مع المواطنين بالوسائل التي تحفظ كرامتهم وتحترم حقوقهم.
3- إقرار مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة قواعد تعامل الموظفين العموميين مع المواطنين، والكود الأخلاقي وكود تقديم الخدمة لكل جهاز أو هيئة من هيئات وأجهزة الدولة، ونشره وإعلانه على الكافة.
4- تغليظ العقوبات على الموظفين العموميين الذين يخالفون القواعد والأكواد الأخلاقية، وعدم القبول أو التسامح مع مبرراتهم بأنها أوامر من المديرين والرؤساء، فلا طاعة لمدير أو رئيس فيما يخالف الأكواد واللوائح والقوانين.
5- ضمان تحقيق الأكواد واللوائح الرضاء العام واستلهامها روح الدستور فيما يخص حقوق المواطنين، وأن تنال القوانين التي تحدد اختصاصات المؤسسات واللوائح التي تفصل الإجراءات الرضاء الشعبي العام.
6- أما عن القوانين والتشريعات فلابد لها على الأقل أن تنال رضاء أغلبية المواطنين. وهذا ما لا يمكن تحقيقه أو قياسه إلا من خلال برلمان يمثل التوجهات المتباينة في الوطن تمثيلًا حقيقيًا عادلًا ونزيهًا.
وعلى أن توفر السلطة التشريعية لأعضائه الوسائل من باحثين وإمكانات لتمكينهم من القيام بدورهم الدستوري الذي تم انتخابهم للقيام به رقابيًا وتشريعيًا، وخاصة دوره في الموافقة أو رفض السياسة العامة لحكومة الدولة، دون ضغوط من أي مؤسسة أو جهاز من أجهزة السلطة.
وتعينهم على أداء أمانة المسؤولية النيابية بإخلاص وجدية – سواء أكانوا حزبيين أو غير حزبيين – والتي تتطلب منهم الرجوع إلى قواعدهم الانتخابية والمواطنين في دوائرهم قبل إصدار أو إقرار القوانين المهمة، وعلى الأخص تلك التي تتصل بحياتهم اليومية والمستقبلية مثل الضرائب والرسوم والخدمات المنوط بالدولة تقديمها في المقابل إليهم، فضلًا عن تلك التي تؤثر على حرياتهم العامة والسياسية وطموحاتهم الاقتصادية والاجتماعية.
استقلال السلطة القضائية ضمانة للعدل
ولأنه ليس من المتصور أن تحاكم أي سلطة نفسها بنفسها، إذا ما تجاوزت الأغراض التي أُنشئت من أجلها، أو تعدت على القواعد القانونية واللائحية أو قامت بالالتفاف حولها أو تجاوزت الأكواد في التعامل مع المواطنين أو عند تقديم الخدمات، فإن تعزيز وحماية الاستقلال التام للسلطة القضائية ماديًا ومؤسسيًا ووظيفيًا يصير أمرًا ضروريًا وأساسيًا.
فدونه قد يستحيل تحقيق العدل، والذي أشرنا إلى أنه القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها استقرار الأمة. هذا الاستقرار الحقيقي العميق الباعث على الحضارة والنهضة، والقادر على احتثاث القدرات الكامنة لدى أبنائها، والمحرك الذي يقودها نحو التقدم والتطور إلى الأفضل.
هذا فضلًا عن أن ضمان وتعزيز وحماية السلطة القضائية هو الذي يوفر بصفة عامة حماية المواطنين من تغول السلطات الأخرى عليهم، ويشيع الاطمئنان لديهم على أنفسهم وأسرهم وأملاكهم ضد أي تعسف أو استغلال نفوذ أو إساءة استخدام السلطة قد يمارسه جهاز أو موظف عام تجاههم.