
الضغط في الفيزياء قوةٌ تُمارَس على مساحة محدودة، فإذا تجاوزت طاقة الاحتمال انفتح باب الانفجار.
وفي السياسة، لا يختلف المشهد كثيرًا: كلما أثقل الاستبداد صدور الشعوب، وكلما تراكمت القيود على حرياتهم، اقتربوا من لحظة الانفجار، تلك اللحظة التي لا تُستأذن ولا تُستبقى.
هكذا يروي التاريخ دروسه المتكررة: من باريس الثورة الفرنسية التي أشعلها صخب الجياع، إلى برلين حين هدم الناس جدار الخوف، إلى القاهرة وتونس حيث صار المقهورون نارًا على المستبد.
دائمًا وأبدًا، الضغط يولّد الانفجار. لا قانون في الطبيعة أو الاجتماع أصدق من هذه المعادلة.
ولعلّ صديقي إبراهيم عيسى قالها ببساطة عميقة في فيديو قصير: “أليست العلاقة بين الضغط والانفجار بديهية؟” ثم سأل كمن يضع يده على الجرح: “لماذا نتعجّب إذن حين ينفجر المقهورون؟” سؤاله لم يكن درسًا في الفيزياء، بل مرآة كاشفة لأنظمة تُصرّ على أن تحوّل القهر إلى معادلة أبدية، غافلة أن الضغط ليس قدرًا ثابتًا بل طريقًا يقود حتمًا إلى الانفجار.
مصر بطبيعتها الإصلاحية، وبجذور قواها السياسية الممتدة، لم تعرف العنف كخيار أصيل، بل ظلّت ميّالة إلى التدرّج السلمي والتغيير الهادئ.
غير أنّ فتح ثغرة يطل منها اليأس، قد يبرّر للعنف أن يتسلل باعتباره الطريق الوحيد للتغيير. وهذا ما نرفضه بكل وضوح، كما نرفض بالقدر ذاته استمرار أسبابه ومبرراته: منطق اللدد، وتوسيع الخصومة، وتكريس اللا منطق.
السؤال إذن: هل يتشبّث الحاكم بالضغط حتى الانفجار، أم يفتح مسار الإصلاح حتى تتنفس الأوطان؟ فالقانون واحد، في الفيزياء كما في السياسة: الضغط لا يبقى ضغطًا إلى الأبد، بل ينفجر إذا ما أغلقنا كل أبواب التنفّس.