مقالات وآراء

تامر المغازي يكتب: جذور التاريخ ووهج الحاضر (١)

في يوم مشمس، تجمّع رجال حي بولاق يتداولون أمر محتلٍ اغتصب أرضهم وكرامتهم. تساءلوا: كيف يصمتون على هذا الإذلال وهم أحفاد الفراعنة، صانعي أعظم حضارة عرفها التاريخ؟

قال أحدهم: “هم يمتلكون السلاح”، فردّ آخر بحزم: “لكننا أصحاب الأرض”. لم يكد الحوار ينتهي حتى انتشرت الشرارة في أحياء القاهرة المحروسة، وهاجم الثوّار المعسكر العام للفرنسيين في الأزبكية.
قدّرت المصادر الفرنسية عدد المهاجمين بعشرة آلاف أو يزيد، لكنّ تحصينات المعسكر ومدافعه الجبّارة أحبطت الهجوم.

لطالما تحلّى الشعب المصري بصبر طويل، لكنّ كأس الظلم إذا امتلأ انقلب ثورةً عارمةً لا تُبقي ولا تذر يؤكد التاريخ أن هذا الشعب عصيّ على الخنوع .

فالثورة كامنة في دمه، تنفجر عند اللحظة الفاصلة.
لكنّ المستبدين والطغاة – كالعادة – لا يتعلّمون من دروس الماضي، ولا يقرؤون صفحات العظمة التي سطّرها شعب لم يستسلم يومًا فهو من طرد الهكسوس وإبادة التتار، إلى فتح القدس وطرد الفرنسيين وإذلال ثلاث دول في 1956.

إنه شعب البطولات.

نعود إلى بولاق، حيث انطلقت الشرارة الأولى للثورة على الاحتلال الفرنسي حينما داست خيول نابليون أرض الأزهر الشريف، وكأنها تدوس كرامة الأمة وعقيدتها.

لم يكن غريبًا أن يثور الناس يوم 20 مارس 1800، حاملين عصيّهم وأسلحتهم البسيطة، ليهاجموا معسكر الفرنسيين على النيل.

فقتلوا الجنود، واستولوا على الذخائر والمؤن، وسيطروا على مخازن الغلال، ثم شرعوا في تحصين القاهرة.

امتدت نيران الثورة من بولاق إلى كل أحياء العاصمة، ووصل عدد الثوار إلى خمسين ألفًا، بين رجال ونساء وأطفال. وحين نفدت القنابل، استبدلوها بكرات الموازين الحديدية والحجارة.

استمر الهجوم يومًا ونصفًا، واضطر الفرنسيون لإرسال نجدة عسكرية لرفع الحصار. ورغم القصف الوحشي على الأحياء والسكان، لم تنكسر الإرادة.

برز خلال تلك الأحداث روح التكافل والتعاون بين المصريين، غنيهم وفقيرهم، شيخهم وشابهم.

لقد أثبتت الثورة أن النصر – وإن تأخر – هو حليف هذا الشعب الذي لا يخاف الموت. احذر.. من شعب لا يخاف الموت.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى