
يوم الاثنين المقبل في 25 آب/ أغسطس، سيُعرَض مشروع قرار التجديد لقوات الطوارئ الدولية (يونيفيل) في جنوب لبنان لسنة كاملة، والذي أعدّته فرنسا مع عدد من الدول، ليُطرح على التصويت في مجلس الأمن قبيل انتهاء ولاية اليونيفيل في 31 آب/ أغسطس الحالي.
في الوقت الذي تعمل فيه واشنطن وتل أبيب على إنهاء مهمة اليونيفيل، هناك 14 دولة في مجلس الأمن من أصل 15 دولة، أعلنت تأييدها المبدئي على تجديد الولاية للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، إلا أنّ الولايات المتحدة التي تعارض بشدة التجديد، قد توافق عليه بشرط أن تكون الموافقة هي الفرصة الأخيرة للدولة اللبنانية كي تنفذ قراراتها، وتصبح الجهة الرسمية الوحيدة المسؤولة عن الأمن في جنوب لبنان، وأن يتضمّن مشروع القرار تمديد مهمة اليونيفيل لعام أخير فقط.
البند الخامس من مشروع القرار يقطع الطريق على عدم التجديد لليونيفيل الذي تسعى إليه واشنطن كما “إسرائيل” التي طلب وزير خارجيتها جدعون ساعر رسمياً من وزير الخارجية الأميركي روبيو، بوقف عمل قوات الطوارئ الدولية في لبنان. تريد “إسرائيل” أن تترك الساحة اللبنانية خالية من القوة الأممية حتى لا تعيق حرية التحرك الكامل لجيش الاحتلال الاسرائيلي، أو أن تحدّ من توسعها وانتهاكاتها اليومية للأراضي اللبنانية.
إنّ إخلاء الجنوب اللبناني من القوات الدوليّة، سيثبت أقدام الجيش “الإسرائيلي” في كامل مناطق جنوب الليطاني، ويمكنه من عزلها، والاستمرار في استباحتها، والقيام بالمزيد من الخروقات والاعتداءات وتوسيع نطاق عملياته العسكرية، بعيداً هذه المرة عن رقابة اليونيفيل، وتوثيقها للخروقات والاعتداءات التي يقوم بها جيش الاحتلال.
“إسرائيل” تشدّد على انسحاب اليونيفيل، كي يحلّ جيشها مكانها، وبالتالي تقف حاجزاً في وجه الجيش اللبناني، تمنعه من الانتشار في المناطق التي كانت تتمركز فيها القوات الدولية، لتصبح المنطقة بعد ذلك أداة مساومة وابتزاز من قبل العدو.
كي تتخلى الولايات المتحدة عن عدم رغبتها التجديد لليونيفيل، وتبدي موافقتها على مشروع القرار الأممي، تريد واشنطن أن يتضمّن مشروع القرار نصاً واضحاً، وهو أن يكون التجديد لمرة أخيرة، حيث جاء البند الخامس من مشروع القرار ليلبّي رغبة الولايات المتحدة ويطمئنها، مؤكداً عزم مجلس الأمن الدولي العمل على انسحاب اليونيفيل بهدف “جعل الحكومة اللبنانية، الجهة الوحيدة المسؤولة عن الأمن في جنوب لبنان، شرط أن تسيطر حكومة لبنان سيطرة كاملة على الأراضي اللبنانية”.
مع وجود قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان، وقيامها بعملها في ظلّ وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، فإنّ “إسرائيل” خرقت الاتفاق أكثر من ثلاثة آلاف مرة، أسفرت الخروقات عن سقوط مئات الضحايا والجرحى، عدا الدمار الواسع الذي ألحقته بدور السكن والبيئة والبنى التحتية. هذا الواقع تعرفه جيداً دول مجلس الأمن وإنْ كان فيه مَن يتجاهل الأمر، ويغضّ النظر عن كلّ ما يقوم به جيش الاحتلال من اعتداءات يوميّة متواصلة.
إنّ مشروع القرار الفرنسي، الذي رحّب باتفاق وقف الأعمال العدائيّة بين لبنان و”إسرائيل” في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، تعمّد عدم الإشارة الى مَن انتهك الاتفاق من جانب واحد على مدار تسعة أشهر. إذ انّ البند الثالث من مشروع القرار، وازَن بين المعتدي والمعتدى عليه، محمّلاً الطرفين المسؤولية، وهو يشير إلى “قلق بالغ جراء الانتهاكات المستمرة لهذا الاتفاق، لا سيّما الضربات الجوية والطائرات بدون طيار على الأراضي اللبنانية، ويطلب من الطرفين تنفيذ أحكامه بدقة”. هذا البند الثالث، مجحف بحق لبنان، لأنه يظهر وكأنّ خرق الاتفاق يتمّ من الجانبين، وأنها مسؤولية الطرفين، وهذا غير صحيح، لأنّ لبنان التزم باتفاق وقف إطلاق النار التزاماً كاملاً، وهذا ما تعرفه جيداً قوات اليونيفيل، واللجنة الخماسية، وأوروبا، والولايات المتحدة بالذات. اللافت في مشروع القرار، أنه رغم خرق “إسرائيل” المتواصل لاتفاق وقف إطلاق النار، من جانب واحد، إلا أنّه لم يشر مطلقاً بالاسم الى “إسرائيل”!
إذا ما وافقت الولايات المتحدة على مشروع القرار الفرنسي، هل سيسبق هذه الموافقة اتفاق بين الأطراف الدولية المعنية بالتجديد لليونيفيل على توسيع صلاحياتها من جوانب عديدة، تتجاوز التعديلات التي جرت بشأن صلاحيّاتها عام 2024، ووضعها تحت الفصل السابع؟! في حال وجود عقبات أمام توسيع صلاحيات اليونيفيل في الساعات الأخيرة، هل تلجأ واشنطن الى تعطيل مشروع القرار برمّته، والسير بحزم في عدم التجديد لها باستخدام حق النقض (الفيتو)؟!
أياً كان القرار الذي سيُتخذ لجهة مهمة اليونيفيل، أميركياً كان أو فرنسياً فإنّ مهمة اليونيفيل على ما يبدو لن تكمل يوبيلها الذهبي، بعد أن قرّرت واشنطن وباريس وضع نهاية لمهمة اليونيفيل التي بدأت عملها في لبنان عام 1978. لكن متى تنتهي مهمّتها؟! أبِطرح الفيتو الأميركي على مشروع القرار الفرنسي بعد غد، أم بالتمديد لولاية أخيرة لليونيفيل تنتهي في 31 آب/ أغسطس 2026؟!
القرار الفصل لمجلس الأمن بعد يومين، ولننتظر…