مقالات وآراء

د. تامر المغازي يكتب: مستشفى ناصر.. مجزرة صهيونيه تفضح نفسها بنفسها

لم يعد ثمة ما تخفيه آلة القتل الإسرائيلية.

فالقناع سقط، والأقنعة تمزقت، ولم يعد هناك حاجة لأدلة جديدة لإثبات النية المبيتة لاستهداف كل مقومات الحياة في غزة.

لكن بعض الجرائم، مهما بلغت من فظاعة، تترك أدلتها مدمغة على جدران الجريمة نفسها.

كما حدث في مجزرة مستشفى ناصر في خان يونس، حيث لم تكتفِ آلة القتل الصهيونية باغتيال المرضى والجرحى، بل سعت لاغتيال الحقيقة ذاتها بقتل من يحملون عدسة الكاميرا وكلمة الحق.

ما حدث في ساحة مستشفى ناصر لم يكن “غارة” عشوائية أو “خطأً مأساوياً” كما تروج آلة الدعاية الإسرائيلية.

لقد كانت جريمة ممنهجة بدم بارد، مُخطط لها بدقة إجرامية نادرة.

الضربة الأولى كانت طعنة خسيسة في ظهر المدينة المحاصرة.

جاءت لتستدرج أبطالاً بلا سلاح، رجال الدفاع المدني والطواقم الطبية، الذين يجرون نحو الركام بحثاً عن نبض حياة.

وجاءت لتستدرج شهود العيان، الصحفيين، الذين يقفون على أطلال مدينتهم ليخبروا العالم أن هنا أناساً ما زالوا أحياء يستحقون الحياة.

ثم جاءت الضربة الثانية، الضربة القاضية.

الضربة التي لا تريد شهوداً على الجريمة.

ضربة تلخص العقيدة العسكرية الصهيونيه القائمة على مبدأ واحد: إذا لم يكن هناك أحد ليصور، فكأن الجريمة لم تحدث.

لماذا قتلوا الصحفيين الخمسة؟

ليس لأنهم كانوا يحملون سلاحاً.

بل لأنهم كانوا يحملون كاميرات.

ليس لأنهم كانوا يهددون طائرات (F-16) بصواريخ كلماتهم.

بل لأنهم كانوا يهددون الرواية الإسرائيلية الزائفة بشيء واحد: الحقيقة العارية.

قتلهم لأن وجودهم كان يشهد على الجريمة قبل وقوعها، وأثناءها، وبعدها.

قتلوا ليمحو القاتل أدلة جريمته بذات القذيفة التي ارتكبها بها.

أين كانت “القيم الغربية” والديمقراطية وحقوق الإنسان عندما انهمرت الصواريخ على سلم المستشفى؟ أين كانت كل تلك المؤسسات الدولية التي تضع دساتيرها على رفوف التاريخ لتنتظر جريمة جديدة تدينها ثم تغض الطرف؟

لقد تحول المجتمع الدولي إلى متفرج خانع، بل إلى شريك في الجريمة عبر صمته المطبق وتزويده للقاتل بالسلاح والغطاء السياسي.

كل دماء الصحفيين الخمسة تلطخ وجهاً آخر غير الوجه الصهيوني ؛ إنها تلطخ ضمير عالمي تم استبداله بحسابات الجيوسياسة والمصالح الاقتصادية.

لكن التاريخ يعلمنا أن القتلة، مهما بلغت قوتهم، لا ينتصرون في النهاية.

الصور التي التقطها الصحفيون في لحظاتهم الأخيرة أصبحت الآن ملكاً للعالم.

دماؤهم التي سالت على الدرج وخلط بحبر الصحف التي ستسجل هذه الجريمة إلى الأبد.

لقد فشلت إسرائيل في تحقيق هدفها.

فبدلاً من إسكات الصوت، جعلت من كل صحفي قتيل ألف صحفي جديد، وكل صورة التقطت قبل الانفجار شاهد إثبات إلى يوم الدين.

المجزرة وُثقت، والجريمة اكتملت أدلتها، ولم يعد أمام العالم إلا خيار واحد: الاعتراف بأنه إما أن يقف مع الضحايا، أو أنه يقف مع الجلاد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى