مقالات وآراء

مي عزام تكتب: هتاف الصامتين… من الظلم إلي المقاومة

1. الإفلات من العقاب: العدالة المُتعذّرة

بعد قصف جيش الاحتلال لمستشفى ناصر في غزة يوم الاثنين الماضي، طالبت الأمم المتحدة إسرائيل بإجراء تحقيق في الهجوم الذي أودى بحياة 20 شخصًا، من بينهم خمسة صحفيين، على أن يسفر هذا التحقيق عن نتائج واضحة، ويتضمّن المساءلة.

وقال ثمين الخيطان، المتحدث باسم مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان للصحفيين: “لا بد من تحقيق العدالة!”.

أظهر تقرير نشرته منظمة “العمل ضد العنف المسلح” (AOAV) أن 88% من التحقيقات التي أجرتها إسرائيل في جرائم الحرب في غزة قد أُغلِقت أو تُرِكت دون نتائج.

وأوضح باحثو المنظمة أن هذه الإحصائيات تشير إلى أن إسرائيل تسعى إلى خلق “نمط من الإفلات من العقاب” في الغالبية العظمى من الحالات التي يُزعم فيها ارتكاب جنودها مخالفات جسيمة.

تفلت إسرائيل دومًا من العقاب، ولم تتحقق العدالة منذ نشأتها على أرض فلسطين العربية، والسبب في ذلك يعود إلى الحماية الأمريكية الغربية.

فالقادة الغربيون يثيرون الاشمئزاز بتصريحاتهم التي يدينون فيها النهج الوحشي الإسرائيلي في غزة، بينما يدعمونه بالأفعال!

2. الدروس غير المستفادة من العراق: حياة العرب رخيصة

نشر الصحفي البريطاني أوين جونز يوم الثلاثاء الماضي في صحيفة الغارديان مقالًا بعنوان: “من شوارع بغداد، رأيتُ خطًّا واضحًا نحو سفك الدماء في غزة”.

يقول فيه: “لم يُحاسب الغرب على ما ألحقه من موتٍ ودمارٍ بالعراق، وهذا ما جعل جرائم الحرب التي نشهدها الآن حتمية.

لعلك تتساءل: كيف يمكن لجريمة بشعة كجريمة غزة أن تُرتكب؟ لقد قتلت إسرائيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ووصفتهم بـ”الحيوانات البشرية”، وأغرقت غزة فيما وصفه خبراء مدعومون من الأمم المتحدة بأنه مجاعة من صنع الإنسان تمامًا.

أنفقت الولايات المتحدة وحدها ما يقرب من 18 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل في السنة الأولى من الإبادة الجماعية، بينما تبدي الدول الغربية “قلقها”، بدلًا من فرض عقوباتٍ جادة”.

ويضيف جونز: “لقد مكّن الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي الغربي تنفيذ هذه الجريمة التاريخية.

لو لم تدافع معظم وسائل الإعلام الغربية عن فظائع إسرائيل أو تغضّ الطرف عنها، لما استطاعت الحكومات تسهيل هذه الإبادة الجماعية.

إن نقل الإبادة الجماعية على الهواء مباشرةً يعني أن كثيرين قد رأوا وسمعوا وقرؤوا أكثر مما ينبغي.

هذه المرة، وخلافًا لحقول القتل في العراق، لا بد من محاسبة السياسيين ووسائل الإعلام المتواطئة في محو غزة من خريطة العالم، وقتل أهلها وتشويههم وتجويعهم.

وكما يُظهر تاريخنا الحديث، إن لم تُحاسب هذه الجرائم، فإننا نجعل الجرائم المستقبلية ليس فقط ممكنة، بل حتمية”.

وتقف الشعوب المغلوبة على أمرها، تتساءل مع الكاتب البريطاني: متى ينجلي هذا الظلم؟ ومتى يحاسب الظالم القوي؟

3. الصمت: من الخوف إلى العجز الجماعي

في محاورة سقراط مع تلاميذه، يعرض أفلاطون رأيًا لشاب يُدعى كاليكليس، مفاده أن القوي يملك امتياز الانتصار على الضعيف.

ورغم أن سقراط رفض هذه الرؤية، فإنها تحققت مرارًا عبر التاريخ؛ إذ نجد مجتمعات كثيرة تُظهر قبولًا واضحًا بالظلم خوفًا من مواجهة الظالمين.

الخوف من أقوى العوامل التي تدفع الناس إلى الخضوع للظلم.

فالظالمون غالبًا ما يملكون أدوات القمع، مما يخلق حالة من الرعب الجماعي، خاصة حين يستمر الظلم لعقود، فيسيطر اليأس على النفوس، ويترسخ الاعتقاد بأن أي محاولة للتغيير مصيرها الفشل.

الظالمون، سواء كانوا أفرادًا أو حكومات أو دولًا عظمى، يتبعون نفس المنهج، لكن على مستويات مختلفة. هم يتعمدون تفكيك البنى المجتمعية التي قد تُشكّل نقاط مقاومة، مثل الأسرة، والمؤسسات الدينية، والتعليمية.

هذه السياسة تُفكك المجتمع، وتُحوّله إلى أفراد منعزلين يسهل التحكم فيهم. يغيب التضامن الاجتماعي، وينشغل كل فرد بإنقاذ نفسه، وتنتشر ثقافة “أنقذ نفسك”، ويختفي الشعور بالمسؤولية الجماعية.

لكن السؤال المهم هنا: كيف يمكن للشعوب أن يكون لها كلمة مسموعة؟ وموقف شجاع لمواجهة الظلم، سواء أكان فرديًّا، أو نابعًا من نظام حكم محلي، أو من النظام الدولي الذي تديره أمريكا؟

4. كيف نكسر دائرة الظلم؟

أولًا، لا بد من الوعي بالظلم، وفهم آلياته، ورفض التطبيع مع ثقافة القهر والخضوع. وفيما يتعلق بما يحدث في غزة، علينا رفض القبول بخرافة أن أمريكا لا تُقهَر، أو أن جيش الاحتلال لا يُهزَم.

فالتاريخ يُثبت أن كل إمبراطورية عظمى كانت لها نهاية، وأنها تنهار لتصعد أخرى، وهكذا دواليك، والنظام العالمي الحالي على وشك الانهيار.

نحن الشعوب العربية، علينا العمل محليًّا ودوليًّا، من خلال: حملات مقاطعة الكيانات والشركات المتعاونة مع دولة الاحتلال، ودعم المقاومة بجميع أشكالها، وتوثيق الجرائم الإسرائيلية ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وكسر احتكار الرواية الغربية لما يحدث في الأرض المحتلة، ومقاضاة السياسيين والإعلاميين الذين يبررون الجرائم، واستخدام المحاكم الدولية لمحاسبة مجرمي الحرب في إسرائيل.

يشير عالم الاجتماع المصري الراحل سيد عويس في كتابه هتاف الصامتين إلى أن العبارات التي كان يكتبها المصريون على سياراتهم لم تكن مجرد “شخبطة”، بل كانت وسيلة إعلام شعبية، تعبّر عن هموم الناس وقضاياهم حين أُغلقت أمامهم القنوات الرسمية ولم يعد المواطن يثق في إنصات نظام الحكم القائم لصرخاته.

اليوم، أصبح بإمكاننا تحويل العالم الافتراضي إلى منصة احتجاج كبرى، بفضل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية. ويمكن تطوير هذه الرؤية لتعرية الظلم الذي يحدث في فلسطين.

نهاية الظلم الاستعماري الإسرائيلي والغربي حتمية، ولكنها تحتاج إلى الشجاعة، والإيمان، واليقين بأن لا هزيمة دائمة، ولا نصر أبدي.

إن هتاف الصامتين اليوم قد يكون خافتًا، لكنه قابل لأن يتحول إلى صرخة مدوّية تغيّر وجه التاريخ، إذا ما آمنّا بقدرتنا على التغيير

المصدر: الجزيرة مباشر

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى