مقالات وآراء

د. أحمد أويصال يكتب : هل يحتاج العالم العربي إلى تركيا؟

في المقال السابق أشرنا إلى حاجة تركيا للعالم العربي، أما في هذا المقال فسنستعرض التاريخ المشترك بين العرب والترك وأهمية دور تركيا الاستراتيجي في المنطقة.

فقد شكل دخول الأتراك في الإسلام قبل اثني عشر قرنًا إضافة قوية للأمة الإسلامية، حيث ساهمت الدولة السلجوقية في ترسيخ الإسلام السني في عهد العباسيين، وتمكن المماليك من صد المغول في المشرق العربي، فيما نشر العثمانيون الإسلام في الأناضول والبلقان وحافظوا على شمال إفريقيا والجزيرة العربية من السيطرة الاستعمارية الغربية لقرون طويلة، ما أدى إلى نشوء روابط متينة بين العرب والترك سياسيًا، واجتماعيًا، وثقافيًا، واقتصاديًا.

وعلى مدى أكثر من ألف عام، أصبح العرب والترك قريبين ثقافيًا واجتماعيًا، حتى بدت الجزيرة العربية والأناضول كامتداد جغرافي واحد. واليوم، تُعدّ تركيا جسرًا استراتيجيًا يربط العالم العربي بالقارة الأوروبية ويشكل حلقة وصل بين البحر المتوسط والبحر الأسود، ويكتسب التعاون بين الشعبين أهمية بالغة في ظل التحولات العالمية، مستفيدة من حدودها البرية مع سوريا والعراق وجوارها البحري مع الدول العربية، لتلعب دورًا فاعلًا وبنّاءً في استقرار المنطقة وحل أزماتها بدلًا من تعميق الصراعات.

منذ زمن بعيد حرصت الدول العربية على نيل دعم تركيا للقضية الفلسطينية، وقد بدا غياب هذا الدعم في المراحل الأولى جليًا وملحوظًا. غير أن تركيا اليوم تبدي مواقف فاعلة ونشطة، تتجاوز في بعض الأحيان مواقف بعض الدول العربية نفسها، خصوصًا فيما يتعلق بفلسطين وقطاع غزة.

ويُعد انزعاج حكومة نتنياهو من موقف أنقرة تجاه غزة ودورها في الملف السوري شاهدًا واضحًا على ذلك. وعلى عكس غالبية دول العالم، لم تتخلَّ تركيا عن المطالب المشروعة للشعب السوري، بل وقفت إلى جانبه، متحملة أعباء سياسية جسيمة، وأصبحت الدولة الأكثر استقبالًا للاجئين السوريين. ولا يزال دعمها وتعاونها في الملف السوري حتى اليوم يشكل عنصرًا حاسمًا لا غنى عنه.

سعت تركيا إلى تعزيز تعاونها مع دول الخليج، ولا سيما قطر والمملكة العربية السعودية، في الملف السوري، حيث أسهمت في دعم الاعتراف بالحكومة الجديدة والمساعدة على رفع العقوبات المفروضة عليها، كما برزت شريكًا فاعلًا في جهود إعادة إعمار سوريا.

ومن خلال مواقفها السابقة ودعمها الراهن، ساهمت تركيا في منع تقسيم البلاد. وعلى المنوال ذاته، عارضت الاستفتاء على استقلال شمال العراق، فكان لها دور مهم في الحفاظ على وحدة العراق، إلى جانب مساهمتها في تخفيف حدة التوترات الطائفية. وفي المرحلة الراهنة، تدعم تركيا مشروع طريق التنمية في العراق، بما يتيح ربط دول الخليج بأوروبا ويعزز مكانتها الإقليمية والدولية.

* تُعد تركيا شريكًا اقتصاديًا مهمًا للدول العربية، وقد شهد حجم التبادل التجاري بين الطرفين في السنوات الأخيرة زيادة كبيرة؛ فبينما كان في منتصف العقد الأول من الألفية حوالي 7 مليارات دولار، اقترب اليوم من 55 مليار دولار.

وتمثل تركيا بالنسبة للنفط والغاز الطبيعي العربيين سوقًا مهمًا من جهة، وممرًا آمنًا لنقلهما من جهة أخرى. كما تنفذ الشركات التركية مشروعات كبرى في مناقصات البنية التحتية بالعديد من الدول العربية. وبفضل اقتصادها المستقر والمتنامي باستمرار، تُعد تركيا سوقًا جاذبة للاستثمارات العربية، وتسعى بنشاط إلى استقطاب المزيد منها.

وفي المقابل، لتركيا أيضًا استثمارات صناعية وتجارية في الدول العربية، فعلى سبيل المثال بلغت استثمارات الشركات التركية في الجزائر 6 مليارات دولار، أما في العراق فهي تزيد عن ذلك بأربع إلى خمس مرات.

لأجل الأمن الإقليمي، تحتاج الدول العربية إلى تركيا. فتركيا تلعب دورًا مهمًا في المنطقة من خلال الحفاظ على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية أو إشراك وكلائها في الشؤون الداخلية، بالإضافة إلى التعاون في مجالات مثل مكافحة الإرهاب والتهريب والصراعات العرقية. كما أن الجيش التركي القوي وصناعاته العسكرية أصبحا عنصرين مهمين للمنطقة.

تستمر الشراكات العسكرية والتعاون الدفاعي مع دول مثل قطر وليبيا في التوسع. كما أن تقدم تركيا في تكنولوجيا الطائرات المسيرة المسلحة يتيح لها إيجاد شركاء في البيع والإنتاج في العديد من الدول العربية. مثلا، سيبدأ الإنتاج للمسيرة بيرقدار آقنيجى في السعودية قريبا. وبالتعاون مع قطر، تدعم تركيا الوساطة في حل الأزمات الإقليمية.

أما بالنسبة للسياحة، فيزور ملايين السياح العرب تركيا سنويًا بفضل ضيافتها وغناها الثقافي وقربها الجغرافي. تساهم هذه الزيارات في تعزيز الروابط بين الشعوب وتقويتها. من جهة أخرى، تُعد تركيا مصدرًا مهمًا للأمن الغذائي للدول العربية.

كما تدعم تركيا تعليم الأطفال وتنميتهم من خلال وكالتها للتعاون والتنسيق الدولي (TİKA)، والمنح الدراسية، ومدارس المعارف. وتخلق المسلسلات التركية اهتمامًا كبيرًا بين الجمهور العربي وتُسهم في تعزيز التقارب الثقافي. في القرن الجديد، وجدت الدول العربية تركيا قوية ومستقرة كشريك مهم لاستقرارها وتنميتها، وستستمر في اعتبارها كذلك.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى