شباك نورمصرمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب: عشر سنوات ضائعة بين الإنفاق العشوائي وغياب النمو المستدام في مصر

مضت عشر سنوات على الاقتصاد المصري وهو يدور في فلك الأزمات دون بوصلة واضحة، وكأننا أمام قطار يستهلك الوقود ولا يقطع المسافات. فالأرقام التي أشار إليها الدكتور محمود محيي الدين تكشف أن الناتج المحلي الإجمالي ظل ثابتًا عند حدود 480 مليار دولار، ما يعني أن النمو لم يترجم إلى تحسين ملموس في معيشة الناس، بل اكتفت السلطة بإدارة الأزمات كمسكّنات، لا كعلاج جذري.

خلال هذه السنوات، تضاعف الدين الخارجي من أقل من 50 مليار دولار عام 2015 إلى ما يقارب 170 مليار دولار مع منتصف 2025، وهو رقم يعكس اعتمادًا خطيرًا على القروض بدل الإنتاج. هذا التوسع في الاقتراض لم ينعكس في بنية تحتية إنتاجية أو صناعية، بل ذهب معظمه إلى مشروعات غير ذات جدوى مباشرة، وديون قصيرة الأجل أرهقت الموازنة.

تطور الدين الخارجي لمصر (2015–2025):

العجز المزمن في الموازنة العامة ظل يتراوح بين 7% و12% من الناتج المحلي، فيما ارتفعت خدمة الدين لتبتلع أكثر من نصف الإيرادات العامة. وهنا تظهر خطورة الاختيارات المالية التي حوّلت الموازنة إلى دفتر أقساط للدائنين، بدل أن تكون أداة لتوزيع عادل للموارد وتحفيز التنمية.

العجز المالي كنسبة من الناتج المحلي (2015–2025):

في المقابل، ظل التضخم ينخر في جيوب المصريين، حيث تجاوز في بعض السنوات حاجز 30%، بينما فقد الجنيه أكثر من ثلثي قيمته خلال عقد واحد. هذه الانهيارات النقدية لم تكن مجرد انعكاس لصدمات خارجية، بل نتاج لسياسات إنفاق غير رشيدة وغياب أي رؤية متكاملة للإصلاح.

معدل التضخم في مصر (2015–2025):

الفجوة بين السكان والاقتصاد صارت أكثر وضوحًا: مصر تمثل 1.3% من سكان العالم، بينما لا يتجاوز نصيبها من الاقتصاد العالمي 0.3%. تلك المعادلة القاسية تكشف أن إدارة الموارد والطاقات البشرية بقيت أسيرة المركزية والبيروقراطية، بدل أن تتحول إلى طاقة نمو حقيقية.

قطاع الاستثمار الأجنبي المباشر لم يحقق الطفرة الموعودة، إذ ظل محصورًا في مشروعات الطاقة والغاز، دون توسع في الصناعة أو الزراعة أو التكنولوجيا. أما القطاع الخاص المحلي فبقي مقيدًا بإجراءات بيروقراطية، وضرائب مرهقة، ومنافسة غير متكافئة مع شركات تابعة للمؤسسة العسكرية.

الصادرات غير النفطية لم تتجاوز 30 مليار دولار، في حين ظل الاستيراد يتجاوز 80 مليارًا سنويًا، ما رسّخ العجز التجاري وأبقى مصر رهينة لتقلبات الأسواق العالمية. وكان يمكن لهذه الفجوة أن تضيق لو تم دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لكن الإنفاق انصرف إلى مشروعات إسمنتية وواجهات عمرانية.

في سوق العمل، لم يتحقق الوعد بتوليد ملايين الوظائف، بل ظل معدل البطالة الرسمي حول 7–9%. بينما البطالة المقنّعة والهجرة الداخلية والخارجية تعكس صورة أكثر قتامة. الفئات الأكثر تضررًا كانت من الطبقة الوسطى التي تآكلت مدخراتها بفعل الغلاء وغياب الحماية الاجتماعية.

تصريحات الدكتور محمود محيي الدين تضع الإصبع على الجرح حين دعا إلى تغيير النموذج الاقتصادي والتركيز على التنمية الشاملة ودعم الطبقة الوسطى. غير أن ما نشهده هو إصرار على سياسات ضبط الاختلالات المحاسبية لا الإصلاح الهيكلي، وعلى مشروعات استعراضية بدل استثمارات إنتاجية.

الخلاصة أن العقد الأخير كان عقدًا ضائعًا، تضخمت فيه الأرقام السلبية وتقلّصت فيه الفرص. لم تعد الأزمة أزمة موارد، بل أزمة إدارة ورؤية. وإذا لم يتحقق التحول الجذري من إدارة الأزمات إلى بناء اقتصاد عادل ومستدام، فإننا أمام تكرار مأساوي للتاريخ، حيث تبقى مصر كبيرة بحجمها، صغيرة بنصيبها في اقتصاد العالم.

الجدول الموجز للمؤشرات الاقتصادية (2015–2025):

السنةالدين الخارجي (مليار $)التضخم (%)العجز المالي (% من الناتج)
20154810.111.5
20165513.812.0
20178229.510.9
20189214.49.7
20191069.28.2
20201235.77.9
202113713.97.4
202215514.87.2
202316221.67.0
202416535.08.1
202517025.08.5
المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى