كيف تستنزف السلطات التونسية موارد قطب مكافحة الإرهاب وتستخدمه لاستهداف المعارضين؟

منذ ثورة 2011، شكّلت مكافحة الإرهاب أولوية للدولة التونسية، خصوصا بعد سلسلة الهجمات التي استهدفت مواطنين وأمنيين وسياح. وبهدف تعزيز قدراتها، حصلت تونس على دعم مالي وتقني كبير من شركاء دوليين، خصوصا الاتحاد الأوروبي، لتطوير الأجهزة الأمنية والقضائية الخاصة بمكافحة الإرهاب.
لكن ما كان يفترض أن يكون أداة لحماية الدولة والمجتمع من التطرف العنيف، تحوّل في السنوات الأخيرة إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية واستهداف الصحفيين والمعارضين، بما يثير القلق على مستقبل الديمقراطية الناشئة.
من مكافحة الإرهاب إلى قمع المعارضة
القطب القضائي لمكافحة الإرهاب أُنشئ ليكون منصة لملاحقة الشبكات والخلايا الإرهابية، إلا أن جزءا كبيرا من عمله بات موجها لملاحقة معارضين وناشطين سياسيين وإعلاميين تحت عناوين فضفاضة مثل “التآمر على أمن الدولة” أو “الانتماء لتنظيمات مشبوهة”.
هذا الاستخدام يفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة: هل تحولت مكافحة الإرهاب إلى غطاء قانوني للقمع؟
التمويل الخارجي
تلقّت تونس دعما سخيا في هذا المجال:
- برنامج إصلاح القضاء (PARJ) بميزانية بلغت 40 مليون يورو بين 2012 و2015، خصص جزء مهم منه لتطوير المحاكم وتدريب القضاة.
- مشروع ATRAS بين 2019 و2022 بقيمة 2.4 مليون يورو لتعزيز قدرات ست مؤسسات تونسية، بينها القطب القضائي لمكافحة الإرهاب.
- برامج لاحقة أعوام 2023 و2024 بقيمة 6 ملايين يورو لدعم جهود مكافحة تمويل الإرهاب ومنع التطرف.
هذه الموارد كان يُفترض أن تعزز قدرة الدولة على مواجهة التحديات الأمنية، لكن استخدامها في محاكمات سياسية يثير مخاوف من ضياع الهدف الأساسي.
الانعكاسات
النتائج المترتبة عن هذا الانحراف متعددة:
- تسييس القانون وإفقاده المصداقية.
- استنزاف الموارد المخصصة للأمن الحقيقي.
- إضعاف ثقة المجتمع الدولي في جدية التجربة التونسية.
- تهديد مباشر للمكاسب الديمقراطية التي تحققت بعد الثورة.
دعوات لإعادة التوجيه
منظمات محلية ودولية شددت على ضرورة إعادة توجيه موارد مكافحة الإرهاب إلى وظيفتها الأصلية، أي مواجهة التهديدات الإرهابية الحقيقية، مع وقف استغلالها في ملاحقة المعارضين.
كما طالبت بضمان استقلال القضاء وتقييد صلاحيات السلطة التنفيذية في هذا المجال.
تونس اليوم أمام مفترق طرق: إما إعادة البوصلة نحو مكافحة الإرهاب الفعلي بما يعزز الأمن ويحمي الديمقراطية، أو الاستمرار في توظيف الأجهزة والموارد الدولية في الصراعات السياسية الداخلية، وهو مسار يحمل مخاطر أمنية وسياسية جسيمة.