مقالات وآراء

إسلام الغمري يكتب: السودان على مفترق الطرق.. هل تبقى الحركة الإسلامية صمام أمان في مواجهة الضغوط والانقسامات؟

الاجتماع السري وما وراءه

في الحادي عشر من أغسطس، انعقد في زيورخ السويسرية اجتماع سري استمر ثلاث ساعات بين رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، ومسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الأفريقية.

التسريبات القليلة التي خرجت عن الاجتماع كشفت عن مطالب أمريكية واضحة، أبرزها: إقصاء العناصر المحسوبة على النظام السابق، أي التي تنتمي إلى الحركة الإسلامية التي حكمت السودان خلال عهد الرئيس عمر البشير.

ولم تمضِ سوى أيام حتى أعلنت الخرطوم عن حملة إقالات واسعة داخل الجيش السوداني، طالت عشرات الضباط المعروفين بقربهم من التيار الإسلامي.

ورغم النفي الرسمي لأي صلة بين الحدثين، فإن التزامن الزمني لا يترك مجالاً كبيرًا للشك في أثر الضغوط الخارجية على القرار.

الجيش بين إعادة الهيكلة والولاءات المتصارعة

أبدى البرهان خلال اللقاء استعداده لدمج الفصائل المسلحة المتحالفة معه – مثل قوات مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم – داخل الجيش الوطني.

الهدف المعلن هو إعادة بناء مؤسسة عسكرية موحدة، لكن الهدف الضمني هو تقليص نفوذ الإسلاميين داخل القوات المسلحة.

لكن غياب جدول زمني محدد، واعتماد البرهان الميداني على هذه الحركات في مواجهة قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، يجعل المشروع أقرب إلى ورقة سياسية للمساومة أكثر منه خطة قابلة للتنفيذ العاجل.

الحركة الإسلامية… من الإقصاء إلى إعادة التموضع

اليوم تقف الحركة الإسلامية السودانية أمام تحدٍّ جديد. فبينما تسعى بعض القوى الدولية والإقليمية لإقصائها من المشهد، ما زالت تحتفظ بامتداد اجتماعي عميق وشبكات نفوذ في مؤسسات الاقتصاد والإدارة.

هذا الواقع يعني أن محاولات الاستئصال الكلي لن تنجح، وأن الحركة الإسلامية – وإن تراجعت مؤقتًا – قادرة على إعادة التموضع.

فقد تلجأ إلى النشاط الدعوي والاجتماعي، أو إلى تقديم نفسها كقوة وطنية تواجه مشاريع التفتيت والتدخل الخارجي.

والتجربة السودانية عبر العقود تثبت أن القوى المتجذرة في المجتمع لا تُمحى بقرارات فوقية، بل تجد دائمًا طريقها للعودة.

حميدتي والحكومة الموازية

في موازاة ذلك، مضى حميدتي في مسار مختلف بإعلانه حكومة موازية في مناطق سيطرته.

هذه الخطوة لا تمثل تحديًا للبرهان وحده، بل تهدد مستقبل وحدة السودان برمته، لأنها تفتح الباب أمام شرعية بديلة، وربما كيانات متناحرة على حساب الدولة الوطنية.

في حين يحاول البرهان تقديم نفسه شريكًا مقبولًا للغرب عبر إقصاء الإسلاميين والتلويح بدمج الجيش، يسعى حميدتي إلى فرض شرعية بديلة بدعم إقليمي.

والنتيجة المباشرة: تعميق الانقسامات وتعريض السودان لمخاطر التفتيت.

استشراف المستقبل

قراءة المشهد الراهن تقود إلى أربعة مسارات محتملة:

1. إقصاء الإسلاميين قد يُرضي بعض العواصم، لكنه يحمل خطر توليد مقاومة سياسية واجتماعية أكثر صلابة، لأن استبعاد قوة متجذرة في المجتمع لا يلغيها بل يعيد إنتاجها.

2. إعادة هيكلة الجيش ستبقى رهينة بموازين القوى الميدانية ومآل الحرب مع الدعم السريع، ما يجعلها مشروعًا معلقًا حتى إشعار آخر.

3. الحركة الإسلامية ليست مجرد بقايا من الماضي، بل هي صمام أمان متجذر في نسيج المجتمع السوداني المسلم. وجودها العميق في الوجدان الشعبي يجعل تجاوزها أو تجاهلها أمرًا مستحيلاً.

وستظل الرقم الأهم في معادلة الاستقرار ووحدة التراب الوطني، شرط أن تنجح في قراءة اللحظة الراهنة بوعي، واستشراف المستقبل بذكاء، والاستفادة من التناقضات الداخلية والإقليمية والدولية لبناء مشروع وطني جامع.

4. مشروع حميدتي في تشكيل حكومة موازية ينذر بواقع انقسامي خطير، قد يضع السودان أمام خيار التفتيت ما لم يتم التوصل إلى تسوية شاملة تستوعب جميع القوى الوطنية.

خاتمة

السودان يقف اليوم على مفترق طرق تاريخي.

الضغوط الخارجية تتقاطع مع صراعات الداخل، فيما يبحث السودانيون عن معادلة تحفظ بلدهم من الانهيار.

لكن الحقيقة التي لا يمكن القفز فوقها أن الحركة الإسلامية، بجذورها الممتدة في عمق المجتمع السوداني المسلم، ستبقى صمام أمان يحمي استقرار السودان ووحدة ترابه.

إن تجاهل هذا الواقع لا يلغي وجودها، بل يضاعف من تعقيد الأزمة. أما الاعتراف بها كجزء أصيل من الحل، فهو الطريق الأقصر لإنقاذ السودان من الفوضى والتفتيت

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى