مقالات وآراء

د.تامر المغازي يكتب: إسقاط الديكتاتورية بين فخ التماثل وإرادة الشعب المنظم (3)

ليس الهدف من إسقاط نظام ديكتاتوري هو إفساح المجال لولادة ديكتاتورية أخرى، قد تختلف في الشكل ولكنها تتطابق مع سابقتها في الجوهر.

هذه هي المعضلة الكبرى التي تواجه مسارات التغيير: أن تتحول ثورة الشعب إلى مجرد استبدال وجوه بقواعد لعبة واحدة.

من هنا، تبرز الأهمية المصيرية لوجود (مبدأ نضالي) واضح، صلب، ومتعالٍ على ردود الأفعال.

فالنضال الحقيقي لا يرتجل؛ لأنه بناء متدرج، وخطة استراتيجية لا تسمح بجرها إلى مستنقع الأساليب الملتبسة التي تناقض الهدف السامي نفسه.

وهو نضال تدرك قيادته وحشاشته أن ضريبته باهظة، وغير متكافئة مع آليات النظام القمعية، لكنها الضريبة الوحيدة المقبولة في معادلة التحرر.

قد تتباهى الأنظمة الديكتاتورية بجبروتها، وتتخفى خلف وهم القوة والتماسك، مسخّرةً أجهزة الدولة كافةً لخدمة بقائها وتلميع صورتها الزائفة.

لكن التاريخ يعلمنا أن هذا الجبروت يبدأ في التصدع عند اللحظة التي يقرر فيها الشعب المنظم كسر حاجز الصمت.

إنها اللحظة التي تُسقط فيها الجماهير أقنعة النظام الواحد تلو الآخر، لتبدأ في اكتشاف قوتها الحقيقية، فتصبح أكثر تنظيمًا وتماسكًا، حتى الانهيار المدوي للنظام.

إن معركة إسقاط الديكتاتورية ليست معزولة؛ إنها حلقة في سلسلة التاريخ الطويلة للتحرر، تستمد شرعيتها من نزعة الإنسان الفطرية نحو الحرية، وتمتد جذورها عبر الجغرافيا لتوصل إرادة الشعوب التواقة للكرامة.

لذلك، يجب أن يُطرح (مبدأ التحرر) كحقيقة كونية، جزء لا يتجزأ من حركة التاريخ ذاتها.

والنظر إلى واقع الشعوب تحت نير الديكتاتورية يكشف عن صورة مروعة للتشوه الذي يطال العقل والروح معًا.

إنه واقع حيث يشعر الإنسان بالظلم لكنه يعجز عن المواجهة، ينهب ويسلب ويمتهن لكن الخوف يغلب إرادته.

لقد نجح النظام في زرع روح العبودية، ونشر ثقافة اللامبالاة والأنانية والتخويف، حتى أصبح المواطن لا يجرؤ على البوح بألمه لأقرب الناس إليه.

وهكذا تتحرك الجموع كجزر منعزلة، لا ترقى إلى فعل التغيير.

بل والأخطر، أن يتحول المقهور إلى مدافع عن قاهره، منصهرًا في النظام حتى بدون مقابل، منكرًا استبداده، في حلقة مفرغة من العبودية الطوعية.

لكن يقين التاريخ يقول: لا نظام يستمر إلى مالا نهاية.

وحدها إرادة الشعوب لا تشيخ ولا تهرم.

فالديكتاتوريات، رغم كل مقومات بقائها الظاهرية، تحمل في داخلها بذور فنائها.

والثورة قادمه لا محالة

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى