مقالات وآراء

د.تامر المغازي يكتب: الاستراتيجية الوطنية لإسقاط الديكتاتورية (5/5)

ما هي الإستراتيجية الوطنية لإسقاط الديكتاتورية بين الفعل الداخلي وتحديات التدخل الخارجي ؟ .

رغم التشابه الهيكلي الواضح بين الأنظمة الديكتاتورية، من حيث آليات الحكم والتسلط وحتى النمطية في شخصيات حكامها، إلا أن طرق مواجهتها وإسقاطها تختلف جذرياً باختلاف الجغرافيا والسياق التاريخي.

فالإستراتيجية الفعالة لتفكيك نظام استبدادي في بلد ما هي بمثابة بصمة فريدة، تنبع خصوصيته الوطنية حتى لو تشابهت شعارات النضال العريضة مع بلدان أخرى.

الهدف المركزي (الحرية) هو جامع مشترك، ولكن “الآلية” المحققة له هي التي تميز كل حالة نضالية عن غيرها، وهي العامل الحاسم في هدم عروش الطغاة.

وبينما يتطلب الغوص في هذه الآليات دراسة معمقة لكل نظام كحالة فريدة، يمكن إبراز بعض الملامح الإستراتيجية الأساسية.

ومنها المقاومة الداخلية: المحرك الأساسي والأوحد للتغيير
يظل سقوط أي نظام ديكتاتوري فعلاً جوهرانياً ينبثق من الداخل.

فدور القوى الخارجية والمجتمع الدولي، وإن كان يتركز على زعزعة استقرار النظام عبر عقوبات اقتصادية وسياسية وقانونية، يظل دوافعه في الغالب مرتبطاً بحسابات المصالح (السياسية، الاقتصادية، الجيوسياسية)، والتي غالباً ما تتوارى خلف شعارات إنسانية براقة.

وهناك ايضا التمسك بالنضال السلمي المتصاعد ورفض مساحات الإنعاش للنظام
يجب أن تستمر المقاومة بمنهجية سلمية متصاعدة حتى تحقيق الهدف النهائي، وهو الإطاحة الكاملة بالنظام. ومن الأهمية بمكان عدم منح النظام أي “طوق نجاة” عبر مبادرات مصالحة مبتسرة أو حلول ترقيعية، حتى لو أدى الرفض إلى تأزم الوضع مؤقتاً، فإعطاؤه فرصة لالتقاط الأنفاس يعني إطالة أمد المعاناة.

وإيجاد المشروع الوطني البديل الواضح والخريطة الزمنية الواقعية يجب على القوى المناضلة طرح مشروع وطني واضح المعالم، بمخطط زمني واقعي قابل للتنفيذ، يأخذ في الاعتبار كل التحديات المحتملة خلال مرحلة الانتقال.

ويقع على عاتق المعارضة، التي تطرح نفسها كبديل شرعي، مهمة شرح هذا المشروع وجعله مقبولاً على نطاق واسع بين مختلف مكونات الشعب والقوى الوطنية.

والحذر من الدعم الخارجي ورفض حرق المراحل و التدرج في التعامل مع أي دعم خارجي أمر حيوي.

فالاستعجال بقبول دعم غير مدروس لتحقيق انتصار سريع قد يؤدي إلى كارثة مزدوجة: إسقاط الديكتاتورية الداخلية فقط لاستبدالها بهيمنة خارجية جديدة (فالهدف الجوهري هو إقامة نظام وطني حر، وليس الإطاحة بنظام فحسب).

كما أن السقوط السريع قبل نضج البديل الوطني قد يؤدي إلى فراغ سياسي خطير، خاصة في البلدان التي قمعت لعقود أي شكل من أشكال التعددية السياسية أو المعارضة المنظمة.

وكذلك التفاوض من موقف قوة والتمسك بالسيادة يجب أن تتم أي مفاوضات مع قوى خارجية من منطلق قوة الموقف وعدالة القضية، وليس بروح التوسل أو المساومة على الثوابت.

لا يجوز تقديم تنازلات تمس السيادة الوطنية أو تقيد خيارات السياسة الخارجية المستقبلية أو الاقتصاد، بغض النظر عن الضغوط التي تواجهها، سواء من ابتزاز القوى الخارجية أو القمع الوحشي للنظام.

القوة التفاوضية الحقيقية تكمن في شرعية النضال وعدالة المطالب.

و بناء قدرة التحمل وإدارة الصورة الإعلامية
يجب أن تؤكد المقاومة الداخلية دوماً على قدرتها على الصمود والاستمرار بشكل متصاعد.

هذه المرونة هي ضغطاً معنوياً وسياسياً يمتد عالميًا، خاصة إذا ما اقترنَت بقدرة إعلامية مؤثرة وخطاب سياسي حكيم يوضح تفاصيل المعاناة وشرعية المطالب، مما يعزل النظام دولياً ويفتح الباب أمام مزيد من الدعم الشعبي العالمي للقضية، الثورة قادمه لا محالة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى