مقالات وآراء

د. تامر المغازي يكتب : الديكتاتورية في العصر الحديث تحليل سياسي لتجارب الحكم المطلق

بينما اختفى الحكم الملكي القائم على النسب الدموي تقريبًا كأساس شرعي للحكم في العالم الحديث، لا تزال الديكتاتورية بصورها المختلفة تُشكّل واقعًا سياسيًا في العديد من الدول.

سواءً عبر حكم العسكر أو الزعماء الشموليين أو أنظمة الحزب الواحد، فإن ظاهرة الاستبداد السياسي تظل قائمة رغم تطور المفاهيم الديمقراطية.

الديكتاتورية في دول ما بعد الاستعمار:


في إفريقيا وآسيا، برزت الديكتاتوريات على أنقاض الترتيبات الدستورية التي خلّفتها القوى الاستعمارية.

فقد استولى العديد من الرؤساء ورؤساء الوزراء على السلطة عبر حظر أحزاب المعارضة وإقامة أنظمة الحزب الواحد، بينما سيطرت الجيوش في حالات أخرى على الحكم وأنشأت ديكتاتوريات عسكرية.

جذور هذه الأنظمة تعود إلى المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي واجهتها الدول حديثة الاستقلال، حيث فشلت النظم الدستورية الموروثة في الظهور في غياب طبقة وسطى قوية. كما احتفظت التقاليد المحربية للحكم الاستبدادي بنفوذها، بينما مثّل الجيش القوة المنظمة الوحيدة القادرة على فرض النظام.
ورغم ذلك، أثبتت هذه الديكتاتوريات عدم استقرارها في الغالب، حيث فشل معظم الطغاة في تلبية مطالب المجموعات التي ساندتهم للوصول إلى السلطة.

ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية علي عكس نظيراتها في إفريقيا وآسيا، تمثل ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية نموذجًا مختلفًا.
ففي القرن التاسع عشر، ظهر “الكوديلية” (زعامة القادة المحليين) نتيجة لانهيار السلطة المركزية، حيث سيطر قادة عسكريون على مقاطعات أو دول بأكملها بدعم من ملاك الأراضي والفلاحين.

أما في القرن العشرين، فقد اتخذت الديكتاتوريات طابعًا أيديولوجيًا وطنيًا، كما في نظام خوان بيرون في الأرجنتين، الذي قاده ضباط جيش التزموا ببرنامج إصلاحي قومي.

وغالبًا ما تحالف هؤلاء الديكتاتوريون مع طبقات اجتماعية معينة إما للحفاظ على مصالح النخب الاقتصادية أو لدفع إصلاحات اجتماعية.

الأنظمة الشمولية


تمثل الديكتاتوريات في الأنظمة الشمولية تطورًا تقنيًا وفكريًا مقارنه بالأنظمة الاستبدادية التقليدية.

فالفاشية في ألمانيا النازية والشيوعية في الاتحاد السوفيتي مثّلتا نموذجين رئيسيين لهذه الأنظمة، حيث اعتمدتا على تحديد الدولة بالحزب الحاكم وزعيمه الكاريزمي، واستخدام أيديولوجية رسمية لتبرير النظام، وتوظيف أجهزة قمعية وصحافة موجهة، والاستفادة من أدوات العلم والتكنولوجيا للسيطرة على الاقتصاد والسلوك الفردي.

ورغم التشابه في الآليات، إلا أن الفاشية والشيوعية اختلفتا في الجوهر فالفاشية حركة معادية للثورة حشدت الطبقات الوسطى لتحقيق أهداف قومية وعسكرية تحت مبدأ الطاعة المطلقة للزعيم، بينما انبثقت الشيوعية من نظرية ثورية تسعى للإطاحة بالرأسمالية عالميًا وتعتمد على هياكل حزبية بيروقراطية معقدة.

ولكن تظل الديكتاتورية بأنواعها تحدياً أمام تقدم المجتمعات وبناء أنظمة الحكم العادلة.

فدراسة هذه التجارب التاريخية تساعد في فهم جذور الاستبداد وآليات مقاومته، خاصة في ظل التحديات المعاصرة التي تواجهها العديد من الدول في الانتقال إلى نظم ديمقراطية تحترم إرادة الشعوب وتحقق طموحاتها في الحرية والعدالة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى