مقالات وآراء

د. تامر المغازي يكتب: الديكتاتورية في العصر الحديث سلطات الطوارئ وحكم الأقليّات 2

شهدت الديمقراطيات الغربية تطوّرًا ملحوظًا في مفهوم الديكتاتورية عبر منح السلطات التنفيذية صلاحيات استثنائية خلال فترات الأزمات، مما يثير تساؤلات حول حدود الشرعية الدستورية وتوازن القوى في الأنظمة السياسية الحديثة.

سلطات الطوارئ بين الحماية الدستورية والانقلاب على الديمقراطية

منحت الديمقراطيات الدستورية في الغرب سلطات طارئة للسلطة التنفيذية خلال الأزمات الداخلية أو الخارجية، مما أدى إلى تعليق الضمانات الدستورية للحريات الفردية أو إعلان الأحكام العرفية.

وتنص دساتير بعض هذه الدول صراحةً على منح هذه الصلاحيات لمواجهة التهديدات الاستثنائية.

غير أن هذه الآية أصبحت في كثير من الحالات أداةً للانقلاب على النظام الدستوري نفسه.

فإعلان حالة الطوارئ كان البوابة التي عبر منها عدد من الديكتاتوريات إلى السلطة، كما حدث مع:

· بينيتو موسوليني في إيطاليا
· كمال أتاتورك في تركيا
· جوزيف بيوسودسكي في بولندا
· أنطونيو سالازار في البرتغال
· أدولف هتلر في ألمانيا
· إنجلبرت دولفوس وكورت فون شوشنيف في النمسا

ومع ذلك، نجحت بعض الديمقراطيات في الحفاظ على توازنها الدستوري حتى خلال أزمات بالغة الخطورة.

ففي الولايات المتحدة وبريطانيا، انتهت صلاحيات الطوارئ بنهاية الحرب العالمية الثانية.

وكذلك دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة (1958)، الذي منح الرئيس سلطات استثنائية لمواجهة التهديدات المباشرة للدولة، لم يؤدّ إلى انهيار النظام الدستوري فيها.

ولكن تعاظم السلطة التنفيذية في القرن الحادي والعشرين

وتواصل التحديات المعاصرة ــ من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية إلى التهديدات الأمنية والتكنولوجية ــ تعزيز سلطة الرؤساء التنفيذيين في الأنظمة السياسية حول العالم.

فتعقّد القرارات الحكومية في العصر التكنولوجي، وتضخم الهياكل البيروقراطية، ومتطلبات الأمن الوطني في العصر النووي، كلها عوامل تساهم في تركيز السلطة.

السؤال الجوهري هنا هو: هل يمكن لنظام الضوابط والتوازنات الذي تقوم عليه الحكومة الدستورية أن يصمد أمام هذا التوسع المتزايد في السلطة التنفيذية؟

في التصنيف الأرسطي للحكم، يُعد حكم الأقلية أحد الأشكال الأساسية للحكومة، سواء في صورته النبيلة (الأرستقراطية) أو صورة المنحطة (الأوليغارشية).

ورغم أن مصطلح “الأوليغارشية” نادرًا ما يُستخدم في الخطاب السياسي المعاصر، إلا أن ظاهرة حكم مجموعات صغير غير مسؤولة لم تختفِ من العالم.

في بعض مجتمعات آسيا، حيثُ كانت النخب الحاكمة تُختار حصريًا من طبقات وراثية مغلقة، ظلت هذه النماذج الكلاسيكية قائمة حتى القرن العشرين.

هذه النخب تنفصل عن باقي المجتمع عبر الدين، والقرابة، والامتيازات الاقتصادية، والهيبة الاجتماعية، بل أحيانًا اللغة أيضًا.

وفي عالم اليوم، لا تزال بعض الدول التي لم تشهد تحولات صناعية واجتماعية عميقة تعتمد على نخب حاكمة مستمدة من طبقات تقليدية تحتكر الوظائف الرئيسية في المجتمع، وتمارس السلطة بشكل أساسي للحفاظ على الوضع الراهن ومصالحها الخاصة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى