مقالات وآراء

عمرو هاشم ربيع يكتب : الأحزاب المصرية… كيف تخرج وتُخرجها السلطة من شرنقة الضياع

كثيرة هي مشكلات الأحزاب السياسية المصرية، كثرة العدد، قلة العضوية، الشقق المفروشة، التركيز على العاصمة، توزيع المناصب على الأهل والأقارب، استبداد القيادة، الفساد وانحسار قيمة الحوكمة، بيع الحزب ومناصبه وترشيحاته في الانتخابات.

إبان عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك كان عدد الأحزاب السياسية عشية 25 يناير 2011 نحو 24 حزبا. اليوم ناهز العدد 104 أحزاب تقريبا. إبان عهد مبارك، كانت تلك الظواهر آنفة الذكر موجودة، وكان يُظن أن الحجر على تأسيس الأحزاب هو السبب الرئيس لها، لكن رغم زيادة العدد، وتحرير النشأة وسهولة منح تراخيص العمل، تبين أن المشكلات هي ذاتها التي كانت قائمة إبان مبارك.

كثرة عدد يصاحبه نفاق مزري

أسمع ضجيجا، ولا أرى طحينا، هذا هو تقريبا وصف حال الأحزاب السياسية اليوم، العدد كبير دون فائدة. في السابق، كان العدد مقيد عبر لجنة شؤون الأحزاب التي تحكمت في تأسيس الأحزاب بشكل مُلفت، وكان يرأسها قيادات بالحزب الوطني منهم صفوت الشريف، باعتباره رئيسا لمجلس الشورى، وهو ضابط مخابرات سابق، اتُهم بانتهك الحريات والتعذيب.

في هذه الآونة، كانت لجنة الأحزاب إما تقوض النشأة وإما ترفضها، ويأتي التأسيس بقرار قضائي بعد مرور وقت طويل، وبالطبع، كان قبل كل ذلك تأسيس الأحزاب الثلاثة الكبرى بقرار رئاسي في 11 نوفمبر 1976، استعدادا من السادات لقبول مصر أمام الغرب والولايات المتحدة كبلد تعددي. هذه الأحزاب هي مصر العربي برئاسة ممدوح سالم، والأحرار الاشتراكيين برئاسة مصطفى كامل مراد، والتجمع الوطني التقدمي الوحدوي برئاسة خالد محي الدين.

مع بدء التجربة الثالثة للأحزاب عام 1976 بسنوات قليلة، كان عدد الأحزاب لا يتجاوز 6، حيث أُضيف للأحزاب السابقة، بعد أن تحول حزب مصر العربي إلى الحزب الوطني الديمقراطي برئاسة أنور السادات ذاته، (قبل أن يعود حزب مصر بعد عدة سنوات)، أحزاب العمل برئاسة إبراهيم شكري، والوفد برئاسة فؤاد باشا سراج الدين، وبالطبع حزب الأمة بزعامة الصباحي.

في هذه الأثناء، كانت التجربة الحزبية ثرية مقارنة باليوم الذي يصل العدد فيه إلى 104 أحزاب. كان هناك قضايا كبيرة مختلف عليها، وكان الصراع السياسي على أشده بين تلك الأحزاب، وحزب السلطة الذي كان مجرد غطاء ديمقراطي للسادات، حيث كانت قضايا الدعم والعدالة الاجتماعية والصلح مع إسرائيل وعروبة مصر محور الخلافات داخل الدولة والمجتمع.

اليوم أصبحت كل الأحزاب تنادي، بأنها مع الدولة، ومع الرئيس، وداعمة للقيادة السياسية… إلخ من عبارات تختلط عبرها المفاهيم وتتحطم فوقها المصطلحات، ومن ثم تُصبح جميعها شعارات جوفاء، لا معنى لها، إلا النفاق المزري والتزلف،

اعتقادا منها أنها بتلك الكلمات تبقى على الساحة، دون إن يزعجها أمن الدولة، أو أن تزعجها صراعات داخلية، لأنها تستقوي بها في مواجهة الخصوم الداخليين، مع أنها ممكن من خلال العمل والعطاء والتواجد الجماهيري، أن تُثبت أنها أحزاب قادرة على خدمة وطنها، دون أن يعني ذلك بالضرورة خدمة شخص أو سلطة.    

هل بمصر 104 قضايا أو فكر مختلف

ولأن الأحزاب من المفترض، أن تنشأ نتيجة تباين فيما بينها، سواء فكري أو سياسي، يصبح السؤال الجوهري:لماذا كل هذا الكم الكبير من الأحزاب، لا سيما وأن الشاهد وباعتراف العديد من القيادات الحزبية، أن النظام الحزبي في مصر مُهترأ، ويتسم بالعبث؛ بسبب كثرة الأحزاب الكرتونية، وهزالة البنى التنظيمية، والفساد المالي الكبير.. إلخ.

بعبارة أخرى، هل يوجد في مصر 104 قضايا مختلف حولها حتى ننشئ هذا الكم الكبير؟

المعروف أن مصر اقتصادها يمر بمشكلات مزمنة، نتيجة عجز الموازنة، وتدني سعر العملة، والتضخم، وأزمة البطالة. وكل ما سبق يرتبط بمصادر الدخل الريعية وغير المنتجة، وأزمة الصناعة، ومشكلات التجارة الخارجية، والاستثمار الوطني والأجنبي، وإنتاج الغذاء، والسياحة، والزراعة وشح المياة. واجتماعيا، هناك أزمتا التعليم، والصحة، والارتقاء بالمرأة، والمواطنة، والمواصلات والاتصالات، والإصالة والمعاصرة. وسياسيا: هناك حرية الرأي والتعبير، والحبس الاحتياطي، والعلاقة بين السلطات المختلة أزليا، وحرية الإعلام، واستقلال القضاء، واحترام قيمة القانون، وتدني أوضاع الأحزاب، وانحدار المجتمع المدني. هذه هي تقريبا مشكلات مصر التي يصل عددها على أقصى تقدير إلى 25 أو 30 مشكلة أو قضية.

أما إذا صُنفت الخلافات بين المصريين فكريا، فلربما لا نجد سوى أربعة تيارات. الليبرالي، واليساري، والإسلامي، والوسط. مع الأخذ في الاعتبار الخلاف بين بعض تلك المفاهيم في مصر عن ذات المفاهيم المتعارف عليها في الغرب.

هنا من المهم، أن نسأل أنفسنا، لماذا كل هذا السيل الجارف غير المفيد وغير المعطاء، وغير المنتج.

تصنيف الأحزاب المصرية هنا من المهم، أن نصنف الأحزاب المصرية لتحديد الفرق فيما بينها.

هناك تصنيفات عديدة. منها أولا:

التصنيف التاريخي، لأحزاب قديمة وأخرى جديدة، أي ما قبل 25 يناير 2011، وما بعدها كالفرق بين الوفد والمصري الديمقراطي الاجتماعي.

ثانيا: تصنيف يرتبط بالبرلمان، حيث توجد أحزاب، درجت على أن يكون لها عضوية بالبرلمان كالتجمع والإصلاح والتنمية وأحزاب أخرى خارجه كالجيل ومصر بلدى والاتحاد.

ثالثا: تصنيف من حيث العلاقة بالسلطة أو بالمعارضة، وهنا نجد

1- أحزاب مدللة مرتبطة بالسلطة، وهي مستقبل وطن وحماة الوطن والشعب الجمهوري والجبهة الوطنية.

2- أحزاب تزدلف السلطة، دون أن تأخذ منها شيئا ملموسا، كما حدث مع الأحزاب الأربعة آنفة الذكر، وهنا توجد غالبية الأحزاب القائمة حاليا.

3- أحزاب تسير في ركاب السلطة، دون أن تمالأها بالضرورة كالعدل.

4- أحزاب تعارض السلطة بشكل قوى كالكرامة والتحالف الشعبي. هذه التصنيفات، وربما توجد تصنيفات أخرى، لا تشير بالضرورة إلى وجود تصنيفات علمية، أتت بها الأدبيات الخاصة بالأحزاب السياسية من واقع ما هو قائم في النظم السياسية المتمدينة في أوروبا، حيث تُصنف الأحزاب والنظم الحزبية وفقا لكونها نظم تعددية أو غير تعددية، أو تُصنف على أساس الأيديولوجيات والأفكار بين أحزاب ليبرالية أو قومية أو اشتراكية أو خلافه.

معظم البنى الحزبية المصرية تتسم بالهشاشة وبطبيعة الحال، لا يعني ما سبق من تصنيفات مصرية،

أن هناك أحزابا كبيرة وأخرى صغيرة، أو أحزابا حقيقية وأخرى هشة. فالغالبية الكاسحة تقريبا، يتسم بالهشاشة وعدم التنظيم، وقلة الجماهيرية، وعدم التواجد في الشارع. في السابق كانت بعض الأحزاب تعرف بصحفها، حيث كانت توجد بعض ملامح المعارضة، لا سيما مع عدم وجود شبكات تواصل اجتماعي، فكان الناس يعرفون الأهالي والشعب والوفد، باعتبارها أحزابا للتجمع والعمل والوفد.

حتى هذا المظهر المسخ اختفى اليوم، فمستقبل وطن على سبيل المثال يعرف بسيارات بيع اللحوم والأسماك في الشوارع، وبعض الناس من سكان القاهرة الجديدة، لا يعرفون سوى أربعة أو خمسة أحزاب يقرأون أسماءها على قصور منيفة، يصل ثمن الواحد منها إلى 100 مليون جنيه، وذلك في منطقة التسعين الشمالي، للمؤتمر وحماة الوطن والشعب الجمهوري والجبهة الوطنية، ومقر مستقبل وطن في التسعين الجنوبي، وكلها مقرات لا يعرف حتى اليوم -ولو من قبيل الشفافية- كيف مُنحت ومن منحها لتلك الأحزاب الفقيرة المدللة، ما جعل الشائعات تطال تلك الأحزاب حول ارتباطها بالسلطة.       

كيف يتم الارتقاء بالنظام الحزبي عقب الحديث عن كافة تلك المشكلات التي يعتل بها النظام الحزبي في مصر، يصبح السؤال كيف يمكن الارتقاء بالنظام الحزبي؟

واحد من أهم الأمور التي يجب العمل عليها هي رفع يد السلطة عن الأحزاب السياسية، فتنسى تماما ميراث العلاقة بين السلطة والاتحاد الاشتراكي أو الوطني الديمقراطي، وهو الأمر الذي نص عليه الدستور الحالي بعدم تحزب رئيس الدولة. كلما شعرت السلطة أنها لها اليد الطولى في تدليل بعض الأحزاب ونبذ أخرى، أدى ذلك لمزيد من الضغائن بين الأحزاب، وأدى لرغبة المُستبعد في كيفية تزلفه للمقرب، أو لمن قربه. إدراك السلطة أو مؤسسات فيها، أنها مربط الوطنية وحاملة لتوزيع صكوك الدفاع عن البلاد دون غيرها، أو أنها حامية الحمى، وما دونها خائن أو عميل أو طابور خامس، سيُبقي النظام الحزبي على عاهاته، وهو بالفعل الأمر القائم، والذي اقتنعت به الكثير من الأحزاب، فباتت تمعن في التزلف كسبا للولاء.

ترك الأحزاب السياسية تُمارس وظائفها المسطورة في الأدبيات والممارسة في الديمقراطيات العتيقة كالتجنيد السياسي، والانتشار الجغرافي، واستقلال التمويل الذاتي، وعدم ترك استحقاق انتخابي، إلا وقد شاركت فيه، وعقد هياكلها التنظيمية، وتداول القيادة، وديمقراطية اتخاذ القرار، والسماح بفتح مقار العمل والعمال ومؤسسات التعليم العالي لحرية العمل الحزبي… إلخ، كلها أمور مهمة للارتقاء بالأحزاب والنظام الحزبي.

قيام السلطة بسن قانون التمثيل عبر النظام النسبي، هو أحد الأمور المهمة للخروج من حال موت السياسة، حيث يخرج المواطن من حالة الاستقلال، ويتحزب الناس وينتمون لتيارات سياسية وحزبية تمثلهم.

ويبقى عدد الأحزاب المهم اختزاله في 10 أو 20 حزبا، عن طريق تشجيع دمج الأحزاب ذات الأفكار المتشابهة، وأيضا منع مشاركة الآخرين في النادى الحزبي، ما لم يحصل أي منهم على مقعد واحد على الأقل في مجلس النواب، أو 100 مقعد في المحليات.

كل تلك الخطوات وخطوات أخرى، يُعتقد أنها الكفيلة بإحياء الأحزاب المصرية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى