حرب الظلال: كيف تخوض الإمارات حربًا معرفية ضد المغرب؟

تتعرض المملكة المغربية منذ عام 2024 لحرب معرفية ممنهجة تقودها دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال أدوات رقمية وإعلامية وبشرية متشابكة.
هذه الحرب لا تهدف إلى احتلال الأرض ولا إسقاط النظام بشكل مباشر وإنما تستهدف الشرعية الرمزية للمملكة وتسعى إلى تقويض الثقة بين الدولة والمجتمع وإضعاف النموذج المغربي الذي يجمع بين الملكية المستقرة والدبلوماسية الإفريقية الصاعدة.
يؤكد تقرير استراتيجي لمعهد آفاق الجيوسياسي أن المغرب أصبح مختبرا لعمليات معرفية واسعة النطاق تُدار من أبوظبي بإشراف طحنون بن زايد عبر شبكة من المنصات الرقمية مثل قناة تلغرام “جبروت” التي تخصصت في تسريبات ضخمة من مؤسسات مغربية حساسة مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمحافظة العقارية ووزارة العدل.
هذه التسريبات لم تُعرض كبيانات خام بل صيغت داخل سرديات عاطفية تُضخم حالة الإحباط وتصور المؤسسات وكأنها على وشك الانهيار.
بالتوازي نشرت صحيفة لوموند الفرنسية سلسلة مقالات عن صحة الملك وصراعات الخلافة وما وصفته بانحدار المؤسسة الملكية.
توقيت النشر تزامن مع التسريبات الرقمية مما يكشف عن تنسيق إعلامي رقمي يهدف إلى إعادة تدوير السرديات العدائية ضد المغرب وتضخيمها في الفضاء الأوروبي والإفريقي.
وتستند هذه الحملات إلى تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنتاج مقاطع مزيفة وشخصيات وهمية تُستخدم في منصات مثل تيك توك وإكس ويوتيوب لتوسيع الانتشار وإغراق الحيز المعلوماتي.
لم يقتصر الأمر على الجانب الإعلامي بل استُخدمت شخصيات مفبركة مثل مهدي حجاوي الذي قُدم كمنشق أمني مضطهد لتصوير نفسه كضحية ولإثارة التعاطف الدولي.
هذه المسرحة العاطفية تعكس استراتيجية منظمة تستند إلى فبركة الانشقاقات وتضخيم المعاناة الفردية من أجل التشويش على الاستقرار السياسي المغربي وإضعاف صورة الملكية أمام الرأي العام الدولي.
أسباب استهداف المغرب ترتبط بثلاثة عوامل أساسية أولها أن المملكة تمثل حالة استقرار ملكي نادرة في المنطقة وثانيها أنها طورت دبلوماسية إفريقية طموحة تتصادم مع طموحات الإمارات الاقتصادية في القارة خصوصا في مجال الموانئ واللوجستيات وثالثها أن الشرعية التاريخية والدينية للمغرب تجعل من الصعب مهاجمته بشكل مباشر ولذلك تُفضَّل الحرب المعرفية كأداة أكثر تأثيرا.
الموجات الهجومية التي استهدفت المغرب خلال عام 2025 عكست هذا المنهج المتصاعد فقد بدأت بحملة حول المهاجرين الأفارقة ثم جرى تضخيم قضية مهدي حجاوي وبعدها تسريبات ضخمة عن العقار والعدالة وصولا إلى سردية “نهاية العهد” في مقالات لوموند وكلها حلقات متتابعة في مسلسل معرفي يهدف إلى نزع الشرعية وتقويض الثقة.
أمام هذا التحدي يوصي التقرير بأن يعتمد المغرب استراتيجية متكاملة تشمل إنشاء خلية يقظة معرفية لرصد الهجمات في الزمن الفعلي وملاحقة الشركات والمنصات المتورطة عبر القانون الدولي وإطلاق حملات توعية للإعلام المحلي والمؤثرين الشباب لبناء مقاومة معرفية ذاتية كما يمكن للمغرب الاستثمار في إنتاج سرديات مضادة تُبرز الاستقرار الملكي والإنجازات الاقتصادية والدبلوماسية والعمل على قيادة تحالف إقليمي للدفاع عن السيادة المعلوماتية.
الخلاصة أن الحرب التي تُشن على المغرب ليست حربا تقليدية بل هي حرب على الوعي والشرعية والرموز وتكشف في الوقت نفسه عن حجم الوزن المتصاعد للمملكة في إفريقيا والعالم العربي فالمعلومة أصبحت سلاحا والسردية تحولت إلى ساحة معركة والسيادة اليوم تُقاس بقدرة الدول على حماية فضائها المعرفي مثلما تحمي حدودها الجغرافية.