مقالات وآراء

مي عزام تكتب : بعد العدوان على الدوحة.. العرب أمام اختبار مصيري

(1) العدوان على قطر.. إنذار لأمة غافلة

استمعت إلى الكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عقب الهجوم الإسرائيلي على دولة قطر، الذي استهدف المكتب السياسي لحركة حماس. وقد وصفه الوزير القطري بـ «إرهاب الدولة»، مؤكداً أنه «خرق متعمد لكل القوانين الدولية وسيادة دولة قطر وأمن أراضيها»، وأن شخصاً مثل نتنياهو يشكل خطراً على استقرار المنطقة، وأن عربدته العسكرية لن تؤدي إلا إلى زعزعة الاستقرار وزيادة العنف.

وتعرض وزير الخارجية القطري في معرض حديثه لنقطة في غاية الأهمية، وهي الرسالة المقصودة من هذا الهجوم، التي لا يمكن أن تكون بمعزل عن التصريحات السابقة لرئيس وزراء دولة الاحتلال، بأنه سيعيد تشكيل الشرق الأوسط بالقوة كما يبدو. وتساءل الشيخ محمد بن عبد الرحمن: «هل يسعى نتنياهو أيضاً إلى تشكيل الخليج؟».

السؤال ليس استنكارياً فحسب، بل هو إنذار لما قد يكون قادماً. الهجوم على دولة وسيط تحظى بضمانات أمريكية رسمية يمثل نقطة تحول خطيرة، تستدعي رداً من المنطقة على هذا الهجوم الهمجي الذي تجاوز القانون الدولي والمعايير الأخلاقية، وأن مثل هذا التصرف المشين لا يمكن أن يوصف إلا بالغدر.

(2) دروس التاريخ التي لم نتعلمها

ظلت فرنسا وبريطانيا تشاهدان ألمانيا النازية وهي تعتدي وتحتل دولاً أوروبية تحت سمعهما وبصرهما بحجج واهية، وكان صمتهما نابعاً من الخوف من الآلة العسكرية الألمانية والرغبة في عدم مواجهتها طالما أن حدودهما آمنة. حتى إن روسيا البلشفية تحالفت مع ألمانيا النازية لفترة وجيزة في مهاجمة بولندا، لكن تلك الدول اكتشفت سريعاً أن أطماع هتلر لن تتوقف عند هذا الحد، بل إنه يسعى إلى التوسع والسيطرة الكاملة على أوروبا، ليديرها كما يشاء كقوة عظمى ليس لها منافس. فدخل باريس محتلاً، واستعد لغزو روسيا، ولم تنقذ أوروبا سوى توسلات تشرشل إلى أمريكا حتى تدخل الحرب في صف الحلفاء.

تتكرر اليوم نفس السيناريوهات التي شهدتها أوروبا إبّان صعود النازية. دول عربية تتصرف وكأن بإمكانها شراء الأمان بصفقات التطبيع، متناسية أن دولة الاحتلال لا تعترف إلا بلغة القوة العسكرية. الاحتلال الإسرائيلي لا يختلف في منطقه التوسعي عن ألمانيا النازية. الدول العربية التي تقيم علاقات معه اليوم، هي ذاتها المستهدفة غداً. الوهم نفسه، والعواقب قد تكون أكثر مأساوية.

(3) الخطر الحقيقي.. من يحاصر العرب؟

وكما نجح «جوبلز» في الدعاية للنازية وتوجيه الرأي العام الألماني وحشده وراء الزعيم «المُلهم» ودعمه في كل قراراته، يفعل الإعلام الغربي الموجه من اللوبي الصهيوني، الذي يمتد نفوذه وسلطته في كل الدول الغربية وخاصة أمريكا. فهذا اللوبي يشيطن كل الدول والحركات التي تناهض المشروع الصهيوني التوسعي، وكذلك الهيمنة الأمريكية، ويسعى لشيطنة إيران ومحور المقاومة وتصويره على أنه «محور الشر والإرهاب» الذي تحركه إيران من أجل مد نفوذها في الدول العربية والتدخل في شؤونها الداخلية وزعزعة استقرارها.

صدقت العديد من الدول العربية وخاصة الخليجية هذه الدعاية الجوبلزية، وساندت أمريكا وإسرائيل علناً وسراً في إضعاف إيران والقضاء على محور المقاومة. وبعد إضعاف حزب الله في لبنان وكذلك المقاومة الفلسطينية في غزة، وسقوط نظام الأسد في سوريا، والهجمات الإسرائيلية والأمريكية على إيران، ظهرت الحقيقة واضحة جلية، وهي أن إسرائيل تزيح الوجود الإيراني وترغب في استبعاد النفوذ التركي في المنطقة؛ لتستأثر لنفسها بالنفوذ كله، وتبدأ في تحقيق حلم «إسرائيل الكبرى».

إسرائيل دولة لا تعترف بالحدود، بل تعيش بفكر «رعاة البقر» الذي يجد أن كل ما تستطيع الاستيلاء عليه من أرض هو حلال لها، وما دامت آلتها العسكرية قادرة على الحفاظ عليه، وهي تطبق ذلك الآن في فلسطين ولبنان وسوريا.

(4) استراتيجية البقاء.. ما العمل؟

اللحظة فارقة كما وصفها الوزير القطري، لا مكان للتردد أو الوهم والتمني. مواجهة الواقع تتطلب طرح الأسئلة الصحيحة: هل إسرائيل تسعى للسلام مع دول المنطقة، لينعم الجميع بالاستقرار والأمن والأمان؟

اشترك في الأخبار العاجلة تلقّ تنبيهات الأخبار العاجلة من الجزيرة مباشر فورا. ابق مطلعا على أهم العناوين من أنحاء العالم اشترك الآن عند قيامكم بالتسجيل، فهذا يعني موافقتكم على سياسة الخصوصية للشبكة محمي بخدمة reCAPTCHA بالتأكيد لا، فهي تتحرش كل يوم بلبنان وسوريا غير حرب الإبادة في غزة، ولقد تجاوزت كل الخطوط الحمراء بهجومها على الدوحة الدولة الوسيطة التي ليس بينها وبين دولة الاحتلال أي خلاف.

هل يمكن الاعتماد على أمريكا ترامب كحليف قادر على حماية دول المنطقة من العربدة الإسرائيلية؟

بالتأكيد لا، فهي شريك لها في كل أفعالها الطائشة.

وقد يثار سؤال: هل أمريكا لا تخشى على خسارة تحالفاتها الاستراتيجية مع دول المنطقة سواء في الخليج أو مصر والأردن؟

والإجابة: لا، ترامب لا يحترم إلا لغة القوة، وهو يدرك أن العرب أهل حديث لا فعل، وأنهم لن يخرجوا من تحت العباءة الأمريكية، ويكفيهم جبر خاطرهم بتصريحات ساذجة حول أن أمريكا لم تكن تعرف نية إسرائيل، أو أن أمريكا حذّرت الدوحة مسبقاً، أو أن ما حدث لن يتكرر مع دول أخرى في المنطقة.

وقت الكلام والشجب والإدانة انتهى، وعلى كل الدول العربية مواجهة هذا العدوان بأفعال، تبدأ بمقاطعة دولة الاحتلال: قطع العلاقات الدبلوماسية وتجميد التعاملات الاقتصادية معها. استخدام كل أدوات الضغط المتاحة (نفطياً، مالياً، سياسياً) ضد الولايات المتحدة الداعمة للاحتلال. بناء تحالفات وشراكات دفاعية استراتيجية جديدة مع القوى الدولية المعادية للهيمنة الأمريكية مثل الصين، روسيا، إيران وكوريا الشمالية وغيرهم. تطوير قدرات الجيوش العربية بتنويع مصادر السلاح والتصنيع المحلي للسلاح والذخائر وتأسيس قوة عربية عسكرية موحدة على غرار الناتو.

العالم يتغير من حولنا، والبقاء تحت المظلة الأمريكية المتهالكة لم يعد الخيار الأفضل. إما صحوة عربية تقرر مصيرها، أو انتظار الدور في طابور الاستهداف الطويل المتوقع.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى