مقالات وآراء

د.تامر المغازي يكتب: النماذج الدستورية الحديثة من الرئاسية إلى البرلمانية وتحديات الحكم متعدد المستويات (4)

تتنوع نماذج الديمقراطية الدستورية في العالم الحديث، بدءًا من النظام الرئاسي الأمريكي إلى البرلماني البريطاني والهجين الفرنسي، بينما تواجه الحكومات المركزية تحديًا تاريخيًا في فرض سيطرتها في ظل تنافس السلطات المحلية.

النماذج الرئيسية للديمقراطية الدستورية
تُمثِّل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة النموذجين الأبرز للديمقراطية الدستورية في العصر الحديث.

فالنظام الأمريكي يُعدُّ المثال الأكثر وضوحًا للنظام الرئاسي، بينما يُعتبر النظام البريطاني النموذج الكلاسيكي للنظام البرلماني، رغم الإشارة إليه أحيانًا بـ”نظام مجلس الوزراء” بسبب الدور المحوري لمجلس الوزراء في إدارة الحكم.

النظام الرئاسي الأمريكي هو فصل السلطات وتوازنها يقوم النظام الأمريكي على مبدأ فصل السلطات بشكل حاد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع تعزيز هذا الفصل عبر الانتخابات المنفصلة لكل منهما.

كما يضمن نظام الضوابط والتوازنات الدستورية وجود آليات للرقابة المتبادلة، مثل:

· حق النقض الرئاسي (الفيتو) الذي يمكن للكونغرس تجاوزه بأغلبية ثلثي الأعضاء.

· دور مجلس الشيوخ في المصادقة على المعاهدات وتأكيد التعيينات التنفيذية.

· سلطة الكونغرس الحصرية في تخصيص الميزانية وإعلان الحرب (رغم تجاوز الرؤساء لهذه السلطة بشكل متزايد منذ أواخر القرن العشرين).

· المراجعة القضائية للتشريعات.

النظام البرلماني البريطاني هو تكامل السلطات على النقيض، يعتمد النظام البريطاني على تكامل السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث يُشترط توافر “ثقة” البرلمان في الحكومة لاستمرار عملها.

الآلية الرئيسية للرقابة في هذا النظام هي التصويت بـ”حجب الثقة” أو رفض التشريعات الحيوية.

النظام الهجين هو النموذج الفرنسي و يُمثِّل النظام الفرنسي نموذجًا هجينًا يجمع بين العناصر الرئاسية والبرلمانية.

فهو يتضمن رئيسًا منتخبًا مباشرةً يتمتع بسلطات تنفيذية كبيرة، ورئيس وزراء يعينه الرئيس ولكن يجب أن يحظى بدعم الأغلبية في المجلس التشريعي.

· إذا كان حزب الرئيس يسيطر على الأغلبية التشريعية، يصبح رئيس الوزراء مسؤولًا في المقام الأول عن الإدارة اليومية.

· إذا سيطر حزب معارض على المجلس التشريعي، يعين الرئيس عادةً زعيم الأغلبية كرئيس للوزراء، مما يعزز التوازن بين السلطتين.

وقد مرت معظم المجتمعات بمرحلة إقطاعية في تطورها السياسي، حيث تنافست الحكومة المركزية الضعيفة مع سلطات محلية مستقلة.

ففي إنجلترا وفرنسا في العصور الوسطى، مثّل النبلاء الإقطاعيون تحديًا دائمًا لسلطة التاج، واستغرق الأمر صراعات طويلة قبل أن تفرض الحكومة المركزية سيطرتها الكاملة.

لم يقتصر هذا النمط على أوروبا في العصور الوسطى؛ ففي الصين في القرنين التاسع عشر والعشرين، مثل أمراء الحرب تحديًا مماثلاً لسلطة الحكومة المركزية، ممثلين استمرارًا للنزعات الإقطاعية رغم اختلاف السياق التاريخي.

بحلول سبعينيات القرن العشرين، تراجعت الظاهرة الإقطاعية بشكل كبير بسبب اختفاء الأنماط الاجتماعية التي تدعم سلطة ملاك الأراضي المحليين.

وكذلك احتكار الحكومات المركزية لتقنيات الاتصالات والتسليح، مما مكنها من بسط نفوذها على كامل التراب الوطني.

هذا وتظل النماذج الدستورية الحديثة ــ رئاسيةً كانت أم برلمانية أم هجينة ــ توازن بين فصل السلطات وتكاملها، بينما تستمر الحكومات المركزية في مواجهة تحديات فرض السيادة في ظل تعقيدات الحكم متعدد المستويات.

فالتجارب التاريخية تُظهر أن تطور الأنظمة السياسية هو عملية مستمرة من التكيف بين السلطة المركزية والهياكل المحلية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى