
شنت إسرائيل أمس الأول عدوانًا على عاصمة قطر، الدولة التي لطالما اضطلعت بدور بارز في مساعي إحلال السلام ووساطتها في العديد من المبادرات، كما حدث في حرب غزة. ورغم تبرير إسرائيل بأن الهجوم استهدف قيادات من حماس وتجنبها ذكر قطر في بيانها الرسمي، فإن فداحة هذا الاعتداء غير المشروع وما يمثله من خرق سافر للقانون الدولي تبقى جلية لا يمكن إخفاؤها. وقد وقع الهجوم في منطقة سكنية مكتظة، ما أسفر عن تضرر المدنيين واستشهاد أحد أفراد الأمن القطري.
بفضل التدابير التي اتخذتها قطر، فشلت إسرائيل في بلوغ هدفها المتمثل في تصفية قادة حماس. وقد قوبل هذا العدوان بردود فعل واسعة وحادة على الصعيد الدولي. إن استهداف قطر، الدولة المستقلة التي تبذل جهودًا مخلصة لترسيخ الاستقرار وتحقيق السلام في المنطقة، يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، واعتداءً مباشرًا على السلام الإقليمي والعالمي. فإقدام إسرائيل على مهاجمة حماس، وهي الطرف الذي تجلس معه إلى طاولة المفاوضات، واستهداف الوسيط في آن واحد، يعد برهانًا جليًا على رفضها لمسار السلام سواء في فلسطين أو في المنطقة بأسرها.
تشعر إسرائيل بانزعاج واضح من الدور الدبلوماسي الذي تضطلع به قطر في دعم السلام والاستقرار إقليميًا ودوليًا، ومن استمرارها في فضح جرائم الإبادة في غزة ونقل حقيقتها إلى العالم عبر وسائل إعلامها. فدولة قطر تكرّس جهودها لخدمة حق الشعوب جميعًا في الوصول إلى المعلومة. والحقيقة أن إسرائيل تنظر بعين الريبة إلى أي تطور إيجابي في المنطقة، ويتجلى ذلك في استمرار اعتداءاتها حتى على الحكومة السورية الجديدة التي لا تشكل تهديدًا لها مطلقًا.
منذ نحو شهر، أعلن نتنياهو عن مشروع «إسرائيل الكبرى»، كاشفًا بذلك عن نواياه التوسعية في المنطقة. واليوم يسعى إلى تصعيد التوترات ونقلها من المجموعات التي يصفها بالعدو إلى دول أخرى، ليصبح المستهدف من عدوانه ليس قطر وحدها بل المنطقة بأسرها. وفي صباح اليوم ذاته، اعتدى أيضًا على «أسطول الصمود» الذي كان يستعد للإبحار من تونس دعمًا لغزة. ورغم محاولته التنصل من المسؤولية عن هذا الهجوم، فإن خرقه لسيادة دولة مستقلة يظل حقيقة واضحة لا يمكن إخفاؤها.
يُعدّ العدوان الإسرائيلي على قطر منعطفًا خطيرًا في نهجها التصعيدي، إذ يكشف أن كل طرف يسعى لتحقيق السلام في المنطقة قد يكون عرضة للاستهداف. ولم تَعُد إسرائيل تقتصر في اعتداءاتها على الدول التي تصفها بأنها داعمة للمقاومة الفلسطينية كإيران ولبنان وسوريا واليمن، بل أوضحت من خلال هذا الهجوم أنها قد تطول أيضًا الدول التي تضطلع بدور الوساطة مثل قطر ومصر.
أمام هذا التطور العدواني، أعلنت تركيا والدول العربية تضامنها الكامل مع قطر وأدانت الهجوم بأشد العبارات. ومن المهم أن يصدر رد فعل إقليمي ودولي حازم لردع مثل هذه الاعتداءات التعسفية ومنع تكرارها ضد أي طرف آخر. وكما وقفت الدول العربية، فإن الشعب التركي وقيادته يقفون بكل إخلاص إلى جانب قطر، ويؤكدون استعدادهم للدفاع عن حقوقها بكل قوة.
حفاظًا على أمن المنطقة واستقرارها، بات من الضروري أن تبادر الدول العربية والإسلامية إلى عقد اجتماع عاجل لإدانة العدوان الإسرائيلي واتخاذ خطوات عملية تحول دون تكرار مثل هذه الانتهاكات.