صوت لا يسكته الرصاص..ندوة ثقافية يعقدها مركز إنسان للدراسات الإعلامية في إسطنبول

عقد مركز “إنسان” للدراسات الإعلامية صالونه الثقافي، بعنوان” صوت لا يُسكته إلا الرصاص.. صحفيات في وجه العاصفة”، وذلك بالتعاون مع منصة “أثير” الحقوقية اليمنية وبحضور إعلاميات من مصر وفلسطين واليمن وتونس والسودان والجزائر.

وأوضحت الأستاذة مي الورداني- مديرة مركز إنسان- أن الصالون يسلط الضوء على التحديات والمخاطر التي تواجهها الصحفيات في العالم العربي.
كما يتيح مساحة آمنة للحديث حول قصص الصمود والتهديدات التي لا تزال تُلاحق الصحفيات في مختلف مراحل مسيرتهن المهنية من خطوط المواجهة الأمامية إلى حياة المنفى والمهجر، وكذلك نضال الصحفيات المستمر من أجل الحقيقة.
فيما وقفن دقيقة حداد على روح شهيدات الواجب في غزة؛ وعلى روح الفتاة السودانية- قسمت علي عمر- التي استشهدت أمس في جريمة قتل وتعذيب بشعة على يد قوات الدعم السريع في السودان.
وعلى إثر ذلك الحادث ألقت الدكتورة زينب حسون- مسؤولة الملف السوداني في منظمة حواء – بيان إدانة لهذه الجريمة موضحة أن الفتاة تعرضت للضرب والتعذيب حتى الموت.
وأكدت أن مأساة قسمت علي عمر ليست حادثًا فرديًا، بل تمثل حلقة جديدة في سلسلة الجرائم والانتهاكات الممنهجة التي تتعرض لها النساء والفتيات في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.
وأوضحت أن النساء في السودان يُمارَس ضدهن أبشع أشكال العنف من اغتصاب واستعباد واتجار بالبشر، مؤكدة أن هذه القضية شاهدا صارخا على حجم المأساة التي تعيشها المرأة السودانية.
كما حمّل البيان قوات الدعم السريع المسؤولية عن جريمة قتل وتعذيب الفتاة ، ودعا المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى التحرك العاجل لوقف مثل هذه الجرائم، ومحاسبة الجناة.
وأكد البيان على التضامن مع أسر الضحايا وكذلك مواصلة فضح وتوثيق هذه الانتهاكات، والعمل من أجل تحقيق العدالة والإنصاف.
ملاحقات وتمييز ممنهج
فيما تطرقت الورداني، للحديث عن حال الصحفيات في مصر وتحديات المهنة، موضحة أن النظام الانقلابي زجّ بأكثر من 30 صحفية في السجون بتهم ملفقة، أن هناك 35% من الصحفيات يتعرضن للتحرش، و14% يفكرن في ترك المهنة، وأنهن يواجهن تمييزا ممنهجا داخل المؤسسات الصحفية.
وأشارت إلى معاناة الصحفيين المصريين في المهجر وأنهم يتعرضون لاضطهاد وملاحقات أمنية وتلفيق التهم لهم ولأسرهم، كما أنهم يحرمون من استخراج أوراقهم الثبوتية.
كما أوضحت أن مصر تحتل المرتبة السادسة عالميًا من حيث عدد الصحفيين المعتقلين، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن لجنة حماية الصحفيين CPJ حيث يقبع أكثر من 44 صحفيا وصحفية خلف القضبان حتى يناير 2025.

فيما أوضحت الإعلامية اليمنية نبيلة سعيد، أن الحرب في اليمن لم تهدأ بعد منذ الانقلاب فى ٢٠١٤ وحتي اللحظة، وأن الضحايا من كل الفئات.
وفي محاولة لوصف الوضع في اليمن، أضافت: شتات واسع في الداخل والخارج، بنى تحتية مهترئة ومستقبل مجهول الهوية هذه الملامح البارزة في اليمن.
وأوضحت: يمكننا التحدث بشكل أكثر تخصيصًا عن :- الخطر المباشر منذ اللحظة الأولي قبل الـ ١١ عاما من الآن كان استهداف الحياة البشرية وآدمية الإنسان هو الخطر المباشر ونزع الاستقرار ومراكمة الأوجاع والانهيار الإنساني المريع كان كل هذا حاضرا وظاهراً ولم يكد يختلف عليه اثنان، متسائلة؛ لماذا استمر حتى هذه اللحظة برغم وجود فاعلين دوليين؟.
كارثة إنسانية
وأشارت سعيد إلى أن هذا الملف تحديدا يكتنفه الكثير من الأحداث الدامية التي رشحت اليمن لأكبر كارثة إنسانية في الخمس السنوات الأخيرة منذ الحرب الدولية عليها في ٢٠١٥م، وبطبيعة الحال ترتب على هذا الكثير من الآثار.
حيث تعرضت المرأة اليمنية للاختفاء القسري، وتحديدًا والسياق هنا للتخصيص لأول مرة في تاريخ اليمن البلد المحافظ لاعتداء التعذيب للمرأة.
وكذلك الملاحقة والضرب ونهاية بالاختطاف المباشر والإخفاء القسري وأيضًا الاغتصاب المخفي تحت القضبان حيث يتجاوز عدد السجينات الـ ٢٠٠٠ إمرأة من مختلف الفئات العمرية، وأضافت: نحن في أثير نحاول جاهدين ومازلنا نوثق الكثير من هذه الانتهاكات.
وأكدت أن صوت الحقيقة لا يمكن إسكاته، وأن الدفاع عن حق الحياة في اليمن ينطلق من كل من يملك صوتًا ومنبرًا وقلمًا ودورًا مازال يقاتل بكل ما أوتي من قوة شاهرًا سلاح المقاومة كحق طبيعي ضد كل أدوات الحرب، ولعل أثير انطلق ضمن هذا الإطار ولازال يقاوم برغم شح الإمكانات.
كما وجهت الصحفية الفلسطينية المتخصصة في الإعلام الجديد ، هدى نعيم، الشكر لمركز إنسان على تنظيم هذا الصالون وإتاحة الفرصة لمناقشة الهموم المشتركة، كما تحدثت عن معاناة النساء في السودان واليمن مؤكدة أنه وعلى اختلاف القصص وكل الاعتداءات والجرائم المرعبة والانتهاكات الجسيمة إلا أنه ربما النساء في غزة لا يتعرضن لمثل هذه الجرائم.
ومع ذلك لا يمكن القول أن هناك مُحتل أفضل من محتل أو مجرم أفضل من مجرم فكلهم مجرمون، وكل ما تتعرض له النساء في العالم العربي من اعتداءات وإجرام سواء كانت صحفية أو أم، فالمرأة في الأعراف والدين إنسان مقدس، ووصى عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ولها مكانة ولا تستحق أي أذى.
وأوضحت نعيم أن الحرب والإبادة في غزة مستمرة ولم تترك أحدا سالما لا الطفل ولا الشاب ولا الطبيب ولا أحدا سالما من هذه الإبادة، مؤكدة أن هناك أكثر من 50 ألف مفقود منهم 20 ألف طفل وكذلك 100 ألف شهيد أن الأرقام جدا مرعبة.
وأضافت: الذي رصد بالأرقام فالحديث عن أكثر من 30 صحفية يعملون في المجال الصحفي وهناك في قطاع غزة يعد العمل الصحفي من أكثر المهن سواء كان خريج إعلام أو شخص رأى أن من واجبه نشر الحقيقة فكل شخص في غزة أصبح وكالة أنباء خاصة يخاطب العالم وهناك كثيرون أصحاب رسالة راحوا ضحية نقل الكلمة.
فالاحتلال الإسرائيلي مجرم لم يعد يفرق بين المستشفيات وليس لديه أي خطوط حمراء وقد رأينا اغتيال الصحفيين بشكل مباشر وموثق بشكل مباشر ولذلك لا يوجد أي مكان آمن في غزة.
وفي حديثها بيّنت أن النزوح من الشمال إلى الجنوب يكلف الفرد 2000 دولار بينما هم لم يجدوا قوت يومهم، بالإضافة إلى أن الخيام في أحسن حالتها والتي أخذت من جهات مدعومة تكلف 1000 دولار وهذه الأرقام كبيرة في غزة.
وتطرقت إلى صعوبات الدعم وتكاليف تحويل الأموال إلى غزة، فمثلا إذا أراد شخص مساعدة أهله فرضًا بمبلغ 1000 دولار فإن المبلغ يصل إلى أهل غزة 400 دولار.
وقالت نعيم: إن ممارسة العمل الصحفي في غزة تعتبر تهمة أن تكون صحفي فأنت معرض للاغتيال أنت وعائلتك، حتى وإن لم تكن صحفي وكتبت كلمة مؤثرة فأنت مستهدف أنت وعائلتك.
كما تطرقت للصعوبات التي تواجه الصحفيات في غزة ، وعن قرب هناك 20 صحفية يمارسن العمل الصحفي وكلهن أرامل استشهد أزواجهن وهذا يعني معادلة وألم آخر، خوف ومسؤلية أطفال ونزوح ومسؤلية مضاعفة لنقل الحقيقة.
وأشارت أن جيش الاحتلال لم يحقق أي نجاح حيث أنه كان يهدف إلى تحرير الأسرى وشل حركة المقاومة إلا أنه لم ينجح في ذلك، وما يعمل عليه فقط هو إبادة المدنيين واعتقال النساء وتعذيبهم.
استهلت الصحفية الجزائرية منار منصري حديثها بالتأكيد على أن معاناتها مع التشويه الإعلامي والملاحقات القضائية وفقدان حق العودة إلى وطنها تتضاءل أمام ما يعيشه الصحفيون في غزة، حيث تبدو كل التجارب ضئيلة في حضرة الجرح الفلسطيني النازف.
وناشدت زميلاتها في المهنة دعم الأصوات النسائية التي اختارت القلم والكاميرا سلاحًا للحقيقة رغم الأثمان الباهظة، مؤكدة أن الصحفية العربية تواجه تحديين مضاعفين: مخاطر المهنة من جهة، ومجابهة الصور النمطية والتمييز من جهة أخرى.
وأشارت إلى أن غزة تقدم أوضح صورة عن تضحيات الصحفيات اللواتي يخضن مواجهة مباشرة مع الموت، لتثبت المرأة العربية يومًا بعد يوم أنها ليست شاهدة فقط على الأحداث، بل صانعة للتاريخ بروايتها.
وشددت منصري على أن الحديث عن الصحفيات العربيات يتجاوز سرد الانتهاكات ليصبح دعوة ملحّة لآليات حماية وضمانات قانونية وأخلاقية تكفل لهن ممارسة المهنة بحرية وأمان.
واختتمت قائلة إن الكلمة أقوى من الرصاصة، والصورة أبقى من القصف، داعية إلى بناء مساحات حقيقية من الحرية، لأن حماية الصحفيات هي في جوهرها حماية للحقيقة وضمانة لمستقبل أكثر عدلًا وكرامة للشعوب.
ووصفت الصحفية التونسية، سارة المهداوي، الصحافة العربية، بأنها ميدان لا يعرف الهدوء ولا يتسامح مع الضعف، مليء بالتحديات والمخاطر، وفيه برزت أصوات الصحفيات العربيات، اللواتي حملن القلم والميكروفون والكاميرا، وصعدن بها فوق صوت الرصاص والقصف ليكتبن الحقيقة.
فالمرأة خاصة في وقت الحرب هناك ليست فقط صحفية تنقل الخبر، بل هي أيضًا أم تحضن أبناءها، وزوجة تحمل مسؤوليات بيتها، وناجية من القصف والاستهداف المباشر للصحفيين. ومع ذلك، نراها تخرج إلى الميدان، لتوثّق الجرائم وتنقل للعالم أنات المكلومات وصرخات الأطفال. إن صمودهن رسالة للعالم بأن الحقيقة لا تموت.
تحديات مشتركة
لكن غزة ليست المثال الوحيد. فالصحفيات العربيات في مختلف الدول يواجهن تحديات متشابهة: قيود اجتماعية، ومضايقات مهنية، وأحيانًا تهميش داخل مؤسسات الإعلام ذاتها. ومع ذلك، يثبتن كل يوم أنهن قادرات على اقتحام الجدران التي وُضعت أمامهن، ليحملن على عاتقهن رسالة لا تقل شرفًا عن رسالة أي صحفي آخر: أن تكوني شاهدة على الحقيقة، وناطقة بلسان الناس، وخاصة النساء اللواتي قد لا يجدن من يوصل أصواتهن.

وأضافت: إن أهمية صوت المرأة في الصحافة العربية اليوم هو إضافة نوعية للخطاب الإعلامي. فالصحفيات يقدمن زوايا مختلفة، يلمسن التفاصيل الإنسانية التي قد تغيب عن غيرهن، فحضور المرأة في الإعلام يعني أن نصف المجتمع لم يعد صامتًا، بل صار شريكًا فاعلًا في صناعة الوعي وتشكيل الرأي العام.
قصف مباشر
كما أوضحت الحقوقية الدولية إيمان فتح الرحمن أنه منذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، وجدت الصحفيات أنفسهن في مواجهة غير مسبوقة مع تحديات قاسية جعلت ممارسة المهنة ضربًا من المغامرة. فإلى جانب العنف الجندري والانتهاكات الواسعة ضد النساء – من قتل واغتصاب واختطاف – وثقت نقابة الصحفيين السودانيين مقتل 31 إعلاميًا خلال العامين الماضيين، معظمهم في قصف مباشر أو استهداف متعمد.
كما أوضحت أن غالبية المؤسسات الصحفية أغلقت أبوابها مع نزوح السكان، ما أفقد المئات وظائفهم وأجبر كثيرًا من الصحفيات على الاعتماد على الإعانات وأن النزاع فرض قيودًا مشددة على التنقل والوصول إلى المعلومات، فيما تعمل بعض الصحفيات تحت تهديد القوى المسلحة، ما يضاعف المخاطر المهنية والشخصية.
الاستقطاب السياسي زاد الوضع تعقيدًا؛ إذ تتعرض الصحفيات لحملات تحريض تشكك في ولائهن وتستهدفهن على أساس النوع الاجتماعي. وفي المنفى، يواجه أكثر من 500 صحفي وصحفية تحديات قانونية ومعيشية، وفقدت بعضهن حياتهن بسبب انعدام الرعاية الصحية، ووفق إحصاءات النقابة (مايو 2025)، سُجلت 556 انتهاكًا ضد الصحفيين، بينها 239 حالة اعتقال
توصيات
كما اختتمت الدكتورة نبيلة سعيد الحديث بعدد من التوصيات، وأكدت على ضرورة الاجتماع لمناقشة الهم المشترك، كما أوضحت أننا بحاجة إلى أن نقف مع بعضنا البعض، مضيفة: لا نريد أن نكون ضحية لنظرية المؤامرة، ولابد أن نعرف ما هي أدوارنا الشخصية.
وأشارت سعيد إلى أن مشكلتنا الحقيقية هي غياب التمويل، موضحة أن لدينا في العالم العربي رجال أعمال وسفراء ووزراء ومؤسسات ولكن ليس لديهم أي استعداد لتمويل صحفي واحد، وهذا الحال يوضح أن هناك خلل في الأولويات.

وأضافت حتى يتمكن الصحفي من إنتاج مادة صحفية متينة متراصة يحتاج إلى أن يقسم جهده نصفين جزء للقمة عيشه والجزء الآخر لكشف الحقيقة، والتي في النهاية تتضح مهترئة.
وشددت على ضرورة أن نكون أقوياء، فإذا لم نمتلك زمام القوة المالية والعقلية والذهنية سيكون لدينا إشكالية في الطرح.
وأضافت إذا الذاكرة الجمعية للغزاويين والفلسطينيين لم تحفظ التاريخ والزمان والمكان والحادثة والحديث للأجيال القادمة ستفرغ ذاكرة الأجيال، لابد أن تدون الذاكرة إذا لم ندون فماذا ستقرأ الأجيال القادمة.
كما أشادت بمشاركة حقوقيون مضيفة أنه لابد من التعاون بين الحقوقيين والإعلاميين كما دعت إلى تنظيم فعاليات أكثر وانضمام دول أخرى من العالم العربي وحتى تتسع الدائرة للقاءات أكثر فائدة.
فيما أعلنت المشاركات عن إطلاق حملة عالمية للتدوين عن قصص الصحفيات العربيات في مختلف الدول وما يواجهن من انتهاكات .. والتعريف أيضا بالشهيدات منهن اللاتي لا نعلم عنهن شئ عبر هاشتاج #قلمها_جبهة_لا_ينكسر