هل يتحقق حلم إنشاء “ناتو” عربي لمواجهة العدوان الإسرائيلي؟

تداولت وسائل إعلام عربية ووسائل التواصل الاجتماعي منشور سابق للرئيس عبدالفتاح السيسي يطرح فكرة تشكيل قوة عربية مشتركة شبيهة بحلف الناتو، تكون قادرة على التحرك لحماية أي دولة عربية.
وفي وقت سابق أيد قادة الدول العربية الفكرة التي طرحها السيسي خلال قمة شرم الشيخ في (مارس 2015)، إلا أن العدوان الإسرائيلي على قطر يجعل الفكرة جديرة بالنقاش، خصوصاً في المرحلة الحاسمة التي تمر بها المنطقة.
ويرى خبراء أن الدولة العربية لم تفشل في إنشاء جيش موحد بسبب نقص الإمكانيات، بل بسبب غياب الإرادة السياسية، وتفتت المصالح، وتضارب المحاور، وتدخل القوى الخارجية. وأن الفكرة ليست مستحيلة، لكنها تتطلب وجود قيادة سياسية موحدة وإرادة شعبية داعمة وإطار قانوني ملزم وتمويل مشترك مستدام واستراتيجية أمنية موحدة، ويجب أن توضع آلية عادلة لتوزيع الأعباء المالية بين الدول الغنية والفقيرة كل يشارك حسب قدرته الاقتصادية لتحقيق الهدف والغاية المرجوة من تأسيس القوة العربية وهو حماية العرب.
تسليح هائل
وبحسب أرقام تقريبية للقوة العسكرية للعرب نقلاً عن موقع “غلوبال فاير باور”، فإنه إذا قرر العرب إنشاء جيش موحد تحت مسمى “الجيش العربي”، سيتكون هذا الجيش من 4 ملايين جندي و9000 طائرة حربية و4 آلاف طائرة هليكوبتر و19 ألف دبابة و51 ألف مدرعة حربية، تقريبا.
وسيبلغ عدد قاذفات الصواريخ 2600 قاذفة صاروخية، بالإضافة إلى 16 غواصة، و900 سفينة حربية.
كما تحدث البعض عن القوة الاقتصادية التي قد تبلغ 5 تريليونات و990 مليار دولار سنويا، وفقا لإجمالي الناتج القومي المحلي، والمساحة الاجمالية للمنطقة العربية ستصبح 13 مليون و 500 ألف كيلومتر مربع، وبالتالي ستحتل المرتبة الثانية، بعد روسيا الاتحادية، أما عدد السكان فسيصل إلى 385 مليون نسمة.
معاهدة دفاع مشترك
في (17 يونيو 1950)، جرى التوقيع على “معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي” في مدينة الإسكندرية، بين مصر والأردن وسوريا والعراق والسعودية ولبنان واليمن، وكان ذلك بعد نكبة 1948 أمام “إسرائيل”.
ويعود هذا الطرح مجددا لكن في سياق مختلف، بعد هجوم على العاصمة القطرية، وما تلاه من ضربات إسرائيلية امتدت خلال أيام إلى دول متعددة، ما يؤكد أن المجال الجيوسياسي في المنطقة قد تغيّر.
ووفق صحيفتي “القدس العربي” و”الأخبار اللبنانية”، فإن مقترح الرئيس المصري بخصوص إنشاء قوة عربية مشتركة “ناتو” أعيد طرحه بالفعل خلال الاتصالات الدبلوماسية الجارية تمهيداً للقمة العربية الإسلامية المقرّرة في الدوحة يوم الاثنين (15 سبتمبر).
ونقلت صحيفة “الأخبار” عن مسؤول مصري قوله إن القاهرة تعوّل كثيراً على الحصول على دعم المسار التنفيذي لهذا المقترح الذي كان قد طُرح للمرة الأولى في مصر قبل نحو تسع سنوات، مشيراً إلى أن هناك العديد من العوائق التنفيذية أمام تشكيل القوة، أبرزها “توقيت تدخّلها وآلية تفعيلها”.
ووفق المصدر، فإن مصر تعمل عبر أذرعها العسكرية على صياغة مقترحات لآلية عمل القوة تتيح استخدامها عند مقتضى الضرورة، وتشكيلها بما يتناسب مع التعداد السكاني للدول العربية وقواتها المسلحة، مع مراعاة التوازنات الإقليمية والسياسية في التشكيل.
وأشارت إلى أن المقترح المصري يتضمن إشراك نحو 20 ألف مقاتل من جيشها في القوة العسكرية المشتركة، كما أن القاهرة تسعى إلى الاستفادة من هذا المقترح في تسريع وتيرة تطوير وتزويد جيشها بأحدث الأسلحة. ولفتت “الأخبار” اللبنانية إلى أن المشاورات العربية تستمر بشأن تشكيل هذه القوة، حيث ستكون السعودية العضو الثاني في هذه القوة.
مخاوف إسرائيلية
من جانبه علّق زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، في تدوينة على منصة “إكس”، على مقترح إنشاء قوة عربية مشتركة، قائلاً إنه “يمثل ضربة موجعة لاتفاقيات السلام التي جاءت بعد الضربة الموجعة لاتفاقيات إبراهيم”.
وحينما طرح السيسي فكرة إنشاء القوة العربية المشتركة في (مارس 2015)، كانت التحديات القائمة والمخاطر مختلفة كلياً عن هذه المرة، إذ كان الهدف آنذاك مساعدة العديد من الدول على مواجهة التحديات والاضطرابات الداخلية، كما كان حاصلاً مع انقلاب الحوثيين في اليمن، وكذا الوضع في ليبيا وغيرها.
لكن الوضع اليوم مختلف، فـ”إسرائيل” تقصف العواصم العربية واحدة تلو الأخرى، وتهدد بالمزيد، مع إصرار على تصفية القضية الفلسطينية، وهنا تبرز العديد من العوائق، منها التباين في تعريف التهديد وحدود الرد، وكذا التمويل واللوجستيات، والتسليح والاتفاقيات الثنائية التي تقيمها بعض الدول مع أطراف دولية.
ووفق الكاتب دندراوي الهواري، في مقال نشرته صحيفة “اليوم السابع” المصرية، الأحد (14 سبتمبر)، فإن أمريكا وأوروبا رغم امتلاكهم جيوشاً قوية، قاموا بتأسيس “الناتو” وتوسعوا في عضويته.
ولفت إلى أن “فكرة تأسيس قوة عسكرية عربية قوية، تكتسب أهمية كبيرة، ويمكن أن تكون نموذجاً مصغراً من الناتو تكتسب شرعية قوية، وتمثل الأمة، وتكون رقماً فاعلاً في معادلة القوة، وثقلاً يعدل ميزان القوة في المنطقة، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن كل المقومات البشرية والاقتصادية والجيوسياسية قادرة على نجاحها وتطوير قدراتها”.
وخلال الاجتماع الوزاري الذي سبق القمة العربية والإسلامية الطارئة التي تعقد الاثنين (15 سبتمبر)، أكد رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أنه يجب اتخاذ إجراءات ملموسة لوقف تمادي “إسرائيل”.
فيما أكدت جامعة الدول العربية أن قطر ليست وحدها، وأن التخاذل والصمت يشجعان “إسرائيل” على مزيد من الجرائم، وشددت منظمة التعاون الإسلامي على ضرورة “اتخاذ إجراءات حاسمة ضد إسرائيل بسبب عدوانها على قطر”.