
في وقت تشتد فيه الأزمات المعيشية على الأسرة المصرية، تبرز فاتورة التعليم كشبح آخر يهدد ميزانيات الأسر، لا في المدارس الخاصة فحسب، بل داخل أسوار ما يُسمى بـ”المدارس الرسمية المتميزة” الحكومية، والتي يفترض أن تكون ملاذًا للتعليم الجيد بأسعار معقولة.
البيانات الرسمية لهيكل المصروفات الدراسية للعام الحالي تكشف عن ارتفاعات مالية متعددة المستويات وتحول التعليم إلى خدمة مجزأة يصعب على ولي الأمر تتبعها.
تفكيك الفاتورة ماذا يدفع أولياء الأمور؟
بناءً على البيانات المالية المتداولة، لم يعد المصروف المدرسي مبلغًا واحدًا، بل تحول إلى باقة معقدة من “الخدمات” والرسوم المنفصلة:
- خدمات اللغات: وهي تمثل الحصة الأكبر من التكلفة، حيث تتجاوز 2000 جنيه لمرحلة رياض الأطفال، وترتفع إلى 3078 جنيهًا للصفوف الإعدادية.
وهي الرسم الأساسي الذي يميز هذه المدارس عن الحكومية العادية.
- نشاط عام وتطوير تكنولوجي: رسم ثابت قدره 395 جنيهًا على جميع الصفوف.
- “قرار 2025″: رسم غامض المسمى، يتفاوت قيمته بشكل كبير دون تفسير واضح، من 830 جنيهًا لـ”كي جي” إلى 1500 جنيه للإعدادية، مما يزيد العبء دون معرفة وجهة هذه الأموال بالتحديد.
- الكتب الدراسية: وهي تكلفة منفصلة يتم إضافتها للإجمالي.
المحصلة النهائية هي أرقام مفزعة لعائلة لديها أكثر من طفل فطالب في الصف الأول الإعدادي سيدفع 5173 جنيهًا مصريًا، بينما يدفع ولي أمر طفل في “كي جي 1” ما مجموعه 3477 جنيهًا. مبالغ لم يعد من الممكن وصفها بأنها “رمزية” أو حتى “مناسبة”، خاصة في ظل غياب ضمانات واضحة لجودة الخدمة التعليمية المقدمة مقابل هذه الأموال.
ولم تتوقف المعاناة عند قيمة الإجمالي، بل تم تقسيم المبلغ إلى أربعة أقساط غير متساوية، مما يخلق التزامًا ماليًا مستمرًا على مدار العام الدراسي، يصعب معه التخطيط المالي للأسرة.
القسط الأول (والمدون أنه يشمل النشاط العام) يختلف عن الثاني والثالث والرابع، في حيرة إدارية تزيد من حيرة ولي الأمر.
هوامش صغيرة.. وإجراءات تعكس فجوة التخطيط تأتي الملاحظات المصاحبة للجدول لتعكس صورة أكثر إرباكًا:
· الإشارة إلى أن رسوم “خدمات اللغات” لا تشمل 200 جنيه إضافية (100 للنشاط العام و100 للتطوير التكنولوجي)، مما يطرح تساؤلاً: أين ذهبت الـ 395 جنيهًا المخصصة أصلاً لهذا البند؟ .
خصم 12 جنيهاً فقط لأهالي محافظات معينة (بورسعيد، الإسماعيلية، الأقصر)، وهو إجراء يبدو وكأنه “ترفيع في الإجراء” أكثر منه حلًا حقيقيًا لأزمة المصروفات، حيث أن الخصم لا يمثل سوى 0.3% من إجمالي مصروفات طالب الإعدادي على سبيل المثال.
تساؤلات على طاولة المسؤولين
في ضوء هذه الأرقام، تبرز عدة تساؤلات ملحة:
· ما هو المبرر التربوي والتعليمي لهذه الزيادات المالية الكبيرة والمفاجئة؟
· ما طبيعة “قرار 2025” الغامض والذي يختلف من صف لآخر دون مبرر واضح للمواطن؟ .
هل يتم رصد هذه الأموال الإضافية لتحسين أجور المعلمين وتدريبهم أم للبنية التحتية؟
ولماذا لا تكون هناك شفافية كاملة حول أوجه الصرف؟ .
أين هو دور المجالس التربوية وأولياء الأمور في مناقشة واعتماد هذه الهياكل المالية المعقدة قبل فرضها؟
الخلاصة أن فاتورة التعليم في مصر لم تعد تقتصر على المدارس الخاصة الدولية، بل امتدت ظلالها إلى المدارس الحكومية التي يفترض أنها “ملاذ الشعب”.
التحول من تعليم مجاني إلى تعليم “متميز” بمقابل مرتفع، دون ضمانات جودة حقيقية أو شفافية، يهدد بإقصاء شريحة من الطلاب عن حقهم في تعليم جيد، ويحول العملية التعليمية إلى سلعة باهظة الثمن، تثقل كاهل الأسرة المصرية التي تئن تحت وطأة الغلاء.
السؤال الأهم: هل المقابل التعليمي يستحق كل هذا العبء المالي؟
الإجابة تبدو غائبة في ظل غياب الحوار المجتمعي الشفاف حول سياسات تمويل التعليم.