مقالات وآراء

شادي طلعت يكتب: قطر .. فصل من سفر إسرائيل الكبرى

في التاسع من سبتمبر عام 2025، دوى صدى الطائرات الإسرائيلية في سماء الدوحة، فاستهدفت ضربة جوية خاطفة، دقيقة، باذخة التقنية، مقراً لاجتماع قادة حركة حماس، كانوا على وشك أن يتدارسوا هدنة توقف نزيف الدم في غزة.

وما إن انقشع غبار القصف، حتى أعلن نتنياهو نفسه، وبملء الفم، تبني العملية كاملة، قائلاً أنها جاءت رداً على هجمات دامية في القدس وغزة، أريقت فيها دماء إسرائيلية.

لقد أثبت القصف الإسرائيلي أن (تل أبيب) تمتلك ذراعاً طويلة تضرب حيث تشاء، ومتى تشاء، عبر أجواء مجهولة لا يدرك من أين مرت طائراتها.

إنها تكنولوجيا تفوق قدرات العرب جميعاً، مصر، والخليج، والشام.

لقد باتت قطر الآن بين المطرقة والسندان :

فقد أضحت الدوحة في مأزق عسير، فإما أن تتخلى عن قيادات حماس المقيمة على أراضيها، أو تخاطر بوعيد نتنياهو الذي توعد بضربة ثانية.

وما وراء حماس أشد خطراً، فإذا ما وضعت واشنطن (جماعة الإخوان المسلمين) على قوائم الإرهاب، فسيصبحون جميعاً صيداً مباحاً، وقد تجبر (الدوحة) ومعها عواصم عربية أخرى على لفظهم.

وقد ثار العرب ثائرة، وتسابقت الحكومات إلى الإدانة، من الأمم المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي، ومن تركيا إلى إيران، ومن بعض دول أوروبا إلى جيران قطر.

غير أن الميدان لا يصغ كثيراً للبيانات، وما مضى فقد مضى، وما هو آت أخطر وأبقى مثل ما سوف اطرحه الآن :

أولاً: موقف الشعوب

لم تجمع الشعوب العربية على كلمة سواء، فشرائح واسعة لم تبد أسفاً على ما جرى، بل رأت فيه انتقاما من (قطر)، التي طالما اتهمت برعاية (جماعة الإخوان المسلمين) و (حركة حماس)، وبات نتنياهو في عيونهم مخلصاً من خطر محدق، ولو كان ثمن ذلك قصف عاصمة عربية.

ثانياً: الحسابات السياسة

في دهاليز السياسة، بدا كثير من الساسة العرب، ولا سيما في مصر، غير آسفين أيضاً، فقد استحوذت (قطر) منذ أعوام على دور الوساطة التاريخي لمصر في النزاع (العربي الإسرائيلي) حتى كادت (الدوحة) تهمش القاهرة نهائيا.

لذلك لم يكن مستغرباً أن يقابل بعض هؤلاء السياسيين العملية الإسرائيلية بصمت بارد، أو حتى بارتياح مكتوم.

ثالثاً: جمود المفاوضات

لقد أُجهضت مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة إلى أجل غير مسمى، ولن تستأنف بسهولة، فالوسيط قد ضرب في قلبه.

رابعاً: تبدل الأدوار

توشك (قطر) و (مصر) معاً، أن تغادرا مسرح الوساطة، تاركتين مكانهما لدولة أخرى، والأرجح أن تكون (الأردن) صاحبة الدور القادم.

خامساً: اتساع التوتر

ارتفع منسوب القلق الإقليمي، لا سيما مع تضامن دول خليجية مع (قطر)، وتخوفها من أن تتحول الضربة إلى سابقة، فتطال جيرانها في أي لحظة.

وبقراءة دقيقة للمشهد :

فإن ما جرى بدولة قطر ليس إلا صفحة من كتاب أوسع (إسرائيل الكبرى).

فإن كانت أمريكا صاحبة القاعدة العسكرية في (العديد) قد سمحت بقصف حليفها الاقتصادي والسياسي، فكيف سيكون الحال مع سائر العواصم العربية.

إن القادم أعجب من الخيال، وأغرب من المنطق، فمن كان يتصور أن تقصف قطر بمباركة أمريكية.

وما هو مقبل على العرب أكبر من طاقتهم، وأبعد من اتحادهم، هذا إن اتحدوا أصلاً والتاريخ خير شاهد، فما اجتمعوا قط على قلب رجل واحد.

وأما بالنسبة إلى القاهرة، فعلاقتها مع إسرائيل لا تزال قائمة على معاهدة السلام عام 1979.

ورغم أن بعض المحللين الإسرائيليين يبدو عليهم القلق، من الحراك العسكري المصري في سيناء، إلا أن الخطر على مصر ما زال ضئيلاً.

بيد أن السؤال الأهم هو : إلى متى ستصمد تلك المعاهدة أمام تقلبات الزمن.

في النهاية :

المجتمع الدولي لن يمنح العرب أكثر من شجب أو إدانة، أما الفعل فلن يكون له موطئ قدم في دفاتره.

فالأنظمة العربية أضعف من أن تفك رموز السياسة العالمية، فهي لا تملك سوى تقارير مخابراتية لا تغني ولا تسمن من جوع في أروقة السياسة.

فقد طرد الساسة الحقيقيون من قصور الحكم العربية، وحل محلهم جهلاء في ثياب قيادات سياسية.

وهكذا .. فإن من يقف اليوم في مقعد المعارضة قد يجد نفسه غداً في مقعد الحكم، فالتاريخ جغرافيا متحركة، والسياسة كر، وفر، والأقدار لا ترحم الشعوب التي آثرت لذة البطن على غذاء العقل، والشهوة على الحكمة.

والشرق الأوسط لن يعود إلى ما كان عليه من هدوء ثمانينات القرن الماضي، أو منغصات المنطقة المحدودة قبل 7 أكتوبر 2023.

سيكون الصراع القادم في السيطرة على الشرق الأوسط، فيما بين إسرائيل وتركيا، ولكن الأكثر نفوذاً ستكون تركيا، لأنها ستظهر في ثوب الحاضنة للإسلام والمسلمين، في وقت يزداد فيه تضاءل كافة القوى الإسلامية، بما في ذلك العربية منها.

لكن .. علينا أن لا ننسى أن إسرائيل تعني (أمريكا)، حتى وإن كانت تركيا حليف قوي، ومهم لأمريكا أيضاً.

وعلى الله قصد السبيل.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى