مقالات وآراء

عمرو هاشم ربيع يكتب: تعيينات الشيوخ المرتقبة.. هل تُصلح ما أفسدته الانتخابات؟

بعد أيام قليلة من الآن، يُبرِق الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويُصدر قرارا جمهوريا بتعيين 100 عضو بمجلس الشيوخ، وبذلك يصبح المجلس جاهزا للانعقاد في منتصف أكتوبر 2025، بعد أن يكون قد اكتمل عدده عقب الانتخابات، أو إن شئت القول عقب اختيار ثلثي أعضاء المجلس بأسلوب القوائم المطلقة المحكوم بعدم دستوريتها والمهجورة عالميا، وبالأسلوب الفردي الذي تبين أنه أشد وطأة في الممارسة العملية على أرض مصر من القائمة المطلقة، التي حوت عدة أحزاب فوق الأحزاب الأربعة المدللة.

قواعد تعيين ارتجالية عهد الرئيس مبارك
وكان تعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى الذي بدأ أعماله عام 1980، قد بُرر في بداية عمل المجلس، بأنه وسيلة لإشراك العديد من المواطنين من أصحاب الخبرات، وممن لا يجيدوا العمل في المطابخ الانتخابية، وممن تفتقد البرلمانات لمجالات تخصصهم، إلا أن تلك الميزة افتُقدت مع مرور الوقت، بعد أن أصبح التعيين سببًا لمجاملة البعض إبان نظام حكم الرئيس حسني مبارك. إذا عين رئيس الدولة أُناسا من خلال ترشيحات، تمت عن طريق رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وابنه، وزوجته… إلخ. وكان من المرشحين وزراء سابقون وحاليون؛ بغرض إسباغ الحصانة البرلمانية عليهم، أو مجاملتهم بعد استبعادهم من الوزارات المختلفة، وكان البعض الآخر من الصحفيين والكتاب الممالئين أحيانًا للنظام، كما لم تخلُ التعيينات من رجال أعمال منتمين للحزب الحاكم، وبعض هؤلاء كانوا من المرتبطين بعلاقات فساد قوي داخل مؤسسات الحكم، وأدانتهم المحاكم بعد افتضاح أمر بعضهم.

ضوابط غير مُقننة عهد الرئيس مرسي وعقب 25 يناير 2011، ونتيجة لما سبق، برز التعيين مرة أخرى في مجلس الشورى، لكن بضوابط، لمنع تغول سلطة رئيس الجمهورية كما حدث آنفا. لكن تلك الضوابط اتسمت بعدم التقنين، إذ أنها أخذت شكل الوعود التي بات الإخوان المسلمون، ينثرونها مثل الشراكة وعدم المغالبة. هنا أصدر الرئيس محمد مرسي قراره الأول والأخير بتعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى، وذلك في 22 ديسمبر 2012، وقد تضمن القرار تعيين 90 عضوا من أعضاء المجلس البالغ عددهم 270 شخصا، في مجلس تمتع بصلاحيات، لم ينافسه فيها سوى مجلس الشيوخ في دستور 1923. الشاهد، أن الرئيس يومها عين 8 من الكنائس المختلفة، و5 من الأزهر و2 من مصابي الثورة. وكان عدد المسيحيين إجمالا ضمن المعينين 12، وعدد السيدات 8 . لكن الأهم من كل ذلك هو، أن قرار التعيين تضمن منتمين إلى 12 حزبا سياسيا، لم تكن ممثلة في مجلس الشورى، الأمر الذي شكل درجة كبيرة من التنوع السياسي والفكري، في مجلس كان بمثابة غرفة ثانية وجزء من السلطة التشريعية بالمعنى الحرفي للكلمة.

ضوابط مُقننة عهد الرئيس السيسي، وبعد تعديل الدستور عام 2019 للمرة الثانية، وعودة مجلس الشيوخ مرة أخرى، لكن بصلاحيات شبة معدومة مقارنة بكافة المجالس الثانية في مصر، منذ دستور 1923. وُضعت خمسة ضوابط في قانون مجلس الشيوخ (قانون141لسنة 2020). حيث أشارت المادة 28 من القانون إلى معظم الشروط، التي سبق أن وضعها قانون مجلس النواب (قانون 46 لسنة 2014) في تعيين الـ5% من أعضاء هذا المجلس. إذ ذكرت المادة بضرورة توافر عدة شروط، فيمن يتم اختيارهم. أول تلك الشروط أن يتمتع المعين بذات شروط المرشح لعضوية المجلس بالانتخاب، وهو ما يقصد به أن يتمتع المُعين بالحقوق المدنية والسياسية، وأن يكون مسجلا بقاعدة بيانات الناخبين، وأدى الخدمة العسكرية أو أُعفى منها، وأن يتوافر فيه شرط السن (35 عاما) والمؤهل العالي، وخلافه، لما في عدم النقوص من تلك الشروط فتحا لباب المحسوبية وعدم الشفافية والمحاباة في التعيين. وثانيها، ألا يعين أشخاص من ذوي الانتماء الحزبي الواحد، بما قد يُسفر عنه من تغيير الأكثرية النيابية في المجلس، فعلى سبيل المثال، ألا يختار الرئيس هذه المرة الأعضاء المعينين كلهم من حزب الجبهة الوطنية الحائز على 22 مقعدا بالانتخاب، كي يتغلب على حزب مستقبل وطن الحائز على 105 مقاعد، فيصبح الأول هو صاحب الأكثرية، لأن ذلك يعني تحدي الإرادة الشعبية، هذا بالطبع على افتراض منا، أننا نقصد أن حزب الجبهة لا يقف على ذات خط مستقبل وطن، فيما يتعلق بالعلاقة مع السلطة.

ثالثها، ألا يعين أحد أعضاء الحزب الذي كان ينتمي إليه الرئيس، قبل أن يتولى مهام منصبه، وهذا الافتراض غير قائم رسميا؛ لكون الرئيس السيسي لم ينتمِ في أي وقت لحزب ما، وإن كان الواقع يشير، إلى أن السلطة لها أحزاب أربعة مدللة في تلك الانتخاب لعبت أدوارا متباينة في تأسيسها. رابعها، ألا يعين شخصاً خاض انتخابات مجلس الشيوخ في الفصل التشريعي ذاته، وخسرها، لأن ذلك يعني الإمعان في تعيين ما أسقطته الانتخابات التي يُفترض أنها حدثت بالفعل. وأخيرا، اشترطت المادة أن تُخصص 10% من المقاعد على الأقل للمرأة، وهذا الشرط مهم للوفاء بالاستحقاق القانوني، الذي يذكر أن 10% من كافة أعضاء المجلس من السيدات.

هل تُصلح تعيينات اليوم ما أفسدته الانتخابات
ولأن الانتخابات جرت ونُظِمت على غير رضاء الغالبية العظمى من القوى السياسية، وقادة الرأي والمتخصصين في الشأن السياسي، بسبب طبيعة النظام الانتخابي سيئ الذكر الذي أسفر عن تعيين مقنع أو تزكية للمترشحين، وبسبب ضعف المشاركة في الاقتراع بشكل كبير، ما أسفر عن انحسار المنافسة في الفردي وانعدامها في القائمة، وبسبب انخفاض المشاركة في الاقتراع في الانتخابات، ولأن “رقابة” المجتمع المدني المصري والدولي عليها كانت قاصرة على مجرد “المتابعة”، ولأن الدعاية في تلك الانتخابات خرقت السقوف المالية، ولأن المنظمين حابوا 4 أحزاب مدللة من قبل السلطة، وهي: مستقبل وطن والشعب وحماة الوطن والجبهة الديمقراطية، فوضعوا أسماءهم على رأس بطاقات الاقتراع، ومنحوهم ذات الرموز في كافة المحافظات، ولأن هؤلاء المنظمين رفضوا حضور وكلاء المرشحين أعمال الفرز، ولأن ظاهرة الكراتين والرشاوى أيام الاقتراع استمرت دون حسيب أو رقيب إلى جانب مظاهر الرقص والأغاني باللجان… إلخ (لكل ذلك)، أصبح من المهم أن تُعالج التعيينات المنافذ السلبية والفاسدة التي جرت لأجواء العملية الانتخابية آنفة الذكر.

تمثيل المعارضة والتكنوقراط واجب وطني
واحد من أهم الأمور المراد تأكيدها، هو أن المجلس المؤلف حاليا من 200 شخص (قبل التعيين)، والذين أتوا من 12 حزبا بالقائمة المطلقة، وكان منهم 4 حصلوا على 80% والباقي كان تمثيلهم شكليا وديكوريا مقصودا، (هذا المجلس) يتحتم أن يقوم رئيس الجمهورية بتمثيل الأحزاب والقوى السياسية الأخرى المعارضة معارضة حقيقية في تعييناته. فالكرامة والناصري والعيش والحرية والتحالف الشعبي والاشتراكي المصري وتيار الأمل والشيوعي والنور والمحافظين والدستور و25/30 كلها أحزاب وقوى يتحتم تمثيل من يقبل منها التعيين في مجلس الشيوخ.

كما أن ما جاء به قانون مجلس النواب (م27)، وأغفله قانون الشيوخ بضرورة إجراء التعيينات في ضوء ترشيحات المجالس القومية، والمجلس الأعلى للجامعات، ومراكز البحوث العلمية، والنقابات المهنية والعمالية وغيرها، هو من الأمور المهمة؛ كي يحوي هذا المجلس كفاءات، يستطيع من خلالها، أن يتغلب على القيود الدستورية التي جعلته مجرد مُستجيب ومُناقش، لما يطلبه رئيس الدولة بشكل أساسي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى