مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر يكتب: الاستهانة باجتماع 57 دولة إسلامية: قراءة استراتيجية في هيمنة الصهيونية وأمريكا

اليوم اجتمع قادة 57 دولة إسلامية في قطر، يمثلون ثلث سكان العالم، وأكبر تجمع بشري على دين واحد، وأضخم مخزون للثروات الطبيعية، وأهم المواقع الجيوسياسية على الأرض. ومع ذلك لم تعبأ أمريكا، ولا الكيان الصهيوني، ولا الغرب بقيادة الصهيونية المسيحية واليهودية بهذا الاجتماع، بل استمروا في سياسات الاستهزاء والتحدي، حتى إن مجرم الحرب الصهيوني يهددهم ويعتدي على دولهم بشكل مباشر أو غير مباشر كل يوم.


لماذا كل هذا الاحتقار؟ وما الذي يجعل العالم الإسلامي عاجزًا عن تحويل إمكاناته إلى قوة رادعة؟

أولًا: تغلغل الصهيونية وأمريكا في الأنظمة الحاكمة.
1- التبعية الأمنية والسياسية: كثير من الحكام مرتبطون بمعاهدات أمنية واتفاقيات عسكرية مع واشنطن أو عواصم الغرب، تقيّد قراراتهم وتجعلهم تابعين لا أصحاب قرار مستقل.

2- المصالح الشخصية للأنظمة: الولاء في عدد من العواصم ليس للأمة ولا للإسلام، بل لمصالح الكرسي وبقاء الحكم. والغرب يعرف ذلك، فيستخدمه أداة ابتزاز.

3- الاختراق الصهيوني: المشروع الصهيوني (اليهودي والمسيحي) لم يكتفِ بدولة الاحتلال في فلسطين، بل تغلغل في مؤسسات الأنظمة عبر الإعلام، الاقتصاد، وحتى المناهج والتعليم. ومن ثم باتت قرارات كثير من الدول تخدم الصهيونية عمليًا ولو رفعت شعارات الإسلام.

ثانيًا: لماذا لا يخشى الغرب هذه الاجتماعات؟.
خبرة تاريخية: الغرب يعرف أن هذه الاجتماعات لا تنتج سوى بيانات عاطفية.
انقسام داخلي: العالم الإسلامي ممزق إلى محاور متنازعة (محور أمريكي–خليجي، محور تركي– قطري، محور إيراني…).
غياب أدوات الردع: لا جيش موحد، لا قرار اقتصادي مشترك، ولا خطة إعلامية جامعة.
ضمان ولاء الحكام: طالما أن واشنطن وتل أبيب تضمنان ولاء الأغلبية من الحكام، فهي مطمئنة إلى أن القرارات ستظل شكلية بلا تنفيذ.

ثالثًا: النتائج الاستراتيجية لهذه الحالة.
الاستهزاء والاحتقار: الصهيونية تعتبر هذه الاجتماعات “مهرجانات كلامية”، وتستغل الوقت لمواصلة عدوانها.
استمرار العدوان: كلما زادت بيانات الشجب، زاد الاحتلال جرأة في اغتصاب الحقوق والاعتداء على الدول.
فقدان الثقة الشعبية: الشعوب تدرك أن حكامها مرتهنون للغرب، فتضعف هيبة هذه المؤسسات (منظمة التعاون الإسلامي مثلًا).

رابعًا: ما المطلوب لتغيير المعادلة؟.
1- قرار عملي جماعي: مثل قطع العلاقات مع الاحتلال أو وقف التطبيع، ولو من نصف الدول فقط.
2- سلاح الاقتصاد: إنشاء صندوق إلزامي لدعم فلسطين، وربط الطاقة والتجارة بمواقف الغرب من العدوان.


3- التحرك الشعبي: إذا قصّر الحكام، تبقى ورقة الشعوب وحركات المقاومة أقوى أدوات الردع.
4- إعلام موحد: قناة عالمية ناطقة بلغات الغرب، تفضح الجرائم وتكسر الرواية الصهيونية.


5- جبهة قانونية: رفع قضايا جماعية ضد إسرائيل وحلفائها أمام المحاكم الدولية والوطنية.

الخلاصة: الغرب والصهيونية لا يحتقرون المسلمين لقلة عددهم أو ضعف مواردهم، بل لأنهم يعرفون أن معظم الأنظمة الحاكمة مرتهنة لهم، وأن القرار السياسي في يد واشنطن وتل أبيب لا في يد الشعوب.
لكن لحظة التحول ممكنة: إذا تحركت بعض الدول بقرار عملي واحد، وساندتها الشعوب، سيتغير ميزان القوى فورًا، وسينتقل الغرب من الاستهزاء إلى الحذر والاحترام.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى