مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر يكتب: المشروع الصهيوني بين الرؤية الدينية والمخطط الاستراتيجي

قراءة تاريخية– سياسية–استراتيجية في لحظة القمة العربية– الإسلامية. في لحظة حساسة يجتمع فيها قادة العرب والمسلمين في الدوحة لمناقشة المأساة الجارية في غزة، يظهر وزير صهيوني ليقدّم عرضًا عمليًا لطبيعة المشروع الصهيوني: يزور إسرائيل كأحد قادتها، يؤدي صلاة تلمودية علنية بصفته جزءًا من “شعب الله المختار”، يعلن أنه قادم إلى قطر، ليس كضيف دبلوماسي، بل كصاحب مطالب، ليضغط على حماس للإفراج عن جميع الرهائن.
هذا المشهد، بتزامنه مع القمة، يكشف أن المشروع الصهيوني– اليهودي والمسيحي– لا يرى في هذه الاجتماعات وزنًا حقيقيًا، بل يتعامل معها كخلفية بروتوكولية لا توقف مخططات

أولًا: الجذور الدينية والفكرية للمشروع.
1- اليهودية السياسية: التلمود أعطى لليهود حقًا مطلقًا في فلسطين، واعتبر الآخرين أدوات في خدمة مشروعهم.

2- الصهيونية المسيحية: التي تبنّت عودة اليهود إلى فلسطين كشرط لعودة المسيح واندلاع معركة “هرمجدون”.

3- تحالف الدين والاستعمار: عبر بريطانيا ثم الولايات المتحدة، تحوّل الحلم الديني إلى مشروع سياسي مدعوم بالقوة العالمية.

ثانيًا: الخطوات التاريخية للتنفيذ.
من الفكرة إلى التنظيم (1600–1897م): تأسيس الجمعيات الصهيونية المسيحية، ثم المؤتمر الصهيوني الأول بقيادة هرتزل.

مرحلة الدعم الاستعماري (1917–1948م): وعد بلفور، الانتداب البريطاني، ثم إقامة الكيان بالقوة.

التثبيت والتمدد (1948–1973م): الحروب والدعم الغربي، وترسيخ الوجود عبر الدماء.

مرحلة الاختراق (1973–اليوم): من كامب ديفيد إلى أوسلو إلى التطبيع، ثم تحويل بعض الدول العربية إلى أدوات ضغط على المقاومة.

ثالثًا: المشهد الراهن كدليل عملي
زيارة الوزير الصهيوني الأخيرة تقدم لنا صورة مكثفة لجوهر المشروع:
إظهار الهوية التلمودية: الصلاة والرموز الدينية لإضفاء قداسة على الاحتلال.

التصرف كقائد في إسرائيل: حديثه كجزء من النخبة الحاكمة الصهيونية، لا كوزير عابر.

التوجه إلى قطر: ليس للتنسيق، بل لتسليم “أمر عمليات”: على الدوحة أن تضغط على حماس للإفراج عن الأسرى.

وهنا تتجلى الرسالة الأمريكية–الصهيونية للمجتمعين في القمة:
أن إسرائيل تتحرك بجرأة في قلب العواصم العربية.
أن ملف الرهائن هو القضية الوحيدة المطروحة على الطاولة، لا وقف العدوان ولا إنهاء الإبادة.
أن الاجتماعات العربية والإسلامية لا تُلزم المشروع الصهيوني في شيء.

رابعًا: السمات الاستراتيجية للمشروع.
1- لا اعتبار للقوانين: يتحرك بلا قيود دولية.

2- استراتيجية تراكمية: طويلة المدى، مرنة في التكتيك.

3- التحالف مع القوى الكبرى: بريطانيا سابقًا وأمريكا اليوم.

4- تفتيت المنطقة: بالحروب والانقسامات.

5- الحرب على الوعي: عبر الإعلام والثقافة والتطبيع.

الخاتمة: إن مشهد الوزير الصهيوني وهو يتنقّل بين القدس التلمودية والدوحة المستضيفة للقمة يلخص حقيقة المشروع:
مشروع ديني– سياسي– استعماري، يتعامل مع القمم العربية كخلفية إعلامية لا أكثر،
ويفرض أجندته حتى في قلب العواصم العربية والإسلامية.

إنه مشروع لا يتوقف عند حدود الشرعية ولا يعبأ بالشعوب أو الحكام، بل يسير بخطوات ثابتة مدعومًا بالقوة الأمريكية.

وإذا لم تمتلك الأمة مشروعًا مضادًا بحجم هذا التحدي، فستظل القمم بيانات، بينما العدو يحرق غزة ويخطط لإعادة تشكيل المنطقة وفق رؤيته التلمودية–الاستعمارية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى