
أول مرة دخلتُ فيها دولة قطر وعاصمتها الدوحة على وجه التحديد كانت في عام 1971، أي قبل 54 عاماً. وكان الهدف من زيارتي قضاء عطلة العيد مع والدي ووالدتي رحمهما الله. وزرت والدي أحمد العناني في مكتبه بالديوان الأميري قرب شاطئ الخليج، وتعرفت على عدد من العاملين هناك، مثل الشاب الذكي عيسى غانم الكواري الذي كان مديراً لمكتب نائب الحاكم آنذاك الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، وإلى المرحوم عبد القادر القاضي الذي أسس لاحقاً بنكاً في الأردن بعدما تقاعد من الخدمة في دولة قطر، وغيرهما كثيرون.
ولم يكن الكثير آنذاك في الدوحة. فقد كانت مدينة أقرب إلى القرية الكبيرة. وأهم عمارة تجارية فيها حملت اسم “الكليوباترا”، وأهم دوارين هما دوار الجيدة ودوار المانع، وأكثر سيارة تجوب في الشوارع كانت سيارة بيجو الفرنسية (404) وسيارة تويوتا اليابانية.
أما والدي فقد أعطي سكناً في فيلا بشارع بن حمودة حيث جاوره الأديب والقصاص السوداني الطيب صالح وتعرفت هناك في تلك الرحلة إلى المرحوم محمود الشريف الذي كان رئيساً لتحرير صحيفة الدستور في الأردن…
وقد عُرض عليّ العمل هناك، ولكنني لم أستطع بسبب التزامي بالعمل في البنك المركزي الأردني مقابل بعثة الماجستير التي أنهيتها عام 1971. وعدت إلى عمّان، وبعد شهرين، أي في فبراير/ شباط 1972، حدث انقلاب سلمي أبيض في الدولة…
ومن بعد حرب أكتوبر 1973 ارتفعت أسعار النفط كثيراً، وأضحت قطر دولةً ميسورة الحال بفعل صادراتها الأحفورية، لديها فوائض مالية. وفي نهاية عام 1973 سافرت إلى الولايات المتحدة حيث حصلت على الدكتوراه في الاقتصاد…
ولذلك كان لا بد من أن يصاحب التوسع العمراني والتجاري توسع موازٍ في الخدمات الطبية والتعليمية والاجتماعية والثقافية. ولكن قطر التي تضج بالحياة والتغيير بدت على السطح صافية هادئة الملامح وأهلها كرماء…
وفي نهاية عام 1979 عُيّنتُ في حكومة الراحل الشريف عبد الحميد شرف وزيراً للتموين في الأردن. ولكن الرجل لم يلبث أن توفي بعد ستة أشهر تقريباً…
وفي عام 1981 قمت بزيارة رسمية بدعوة كريمة من وزيري العمل القطري والإماراتي. ولم أكن قد حسبت أن الوزير الأنصاري سيقيم لي دعوة عشاء ويدعو والدي المستشار بالديوان الأميري إليها…
وهنا أصابني حرج شديد ولكنني بعد تفكير تركت الأمر على حاله ووجهت الكلام إلى والدي لكي يقدم لنا نبذة عن الجهود التي تبذل من أجل تجميع الوثائق التاريخية المتعلقة بدولة قطر وتاريخها…
وزرت قطر بعد ذلك مرات كثيرة حيث يعمل ابني الآن ويقيم مع أسرته على بعد سبعمائة متر فقط من المكان الذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية. وصرت أتساءل عن سجل قطر في العلاقة مع القضية الفلسطينية.
فوجدت أنها تبنت دوماً دور العاقل والوسيط. رأيت كيف أنها حلت مشكلة الجزيرتين فشة الديبل وحوار، وكيف استضافت مؤتمرات دولية ووساطات عربية…
وحظيتُ بلقاء رئيس الوزراء القطري، وزير خارجيتها الذكي المتميز الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. وقد أصبحت دولة قطر واحدة من أهم المنجزين في العالم، من أولى الدول دخلاً للفرد، ذات أعلى معدلات التنمية البشرية.
قطر دولة تقوم فلسفتها على حماية بلدها، والتوسط لفعل الخير. وهي مؤيدة للحق الفلسطيني وتسعى لإنجازه من دون حروب، وتقدّم نموذجاً في الإعلام والدبلوماسية…
التصريحات التي أدلى بها نتنياهو، خاصة حينما قال إن أمام قطر خياراً بترحيل قيادة حماس من الدوحة، تعتبر وقاحة. هذا الرجل يبيع الناس أخلاقاً وهو يعض اليد التي ستساعده لإنهاء الحرب اللاإنسانية ضد غزة والضفة.
مؤتمر القمة العربية الإسلامية الذي عُقد في الدوحة أثبت أن قطر تحظى بتأييد واسع. قطر وقفت كلها، قيادة وشعباً، موقفاً تستحق أن تُقدّر عليه وتُحترم بسببه.