الجزائرالمغرب العربي

أزمة قانونية ودبلوماسية جديدة بين الجزائر ومالي: محكمة العدل الدولية في قلب الصراع

دخلت العلاقات الجزائرية ـ المالية منعطفاً أكثر تعقيداً مع إعلان محكمة العدل الدولية، اليوم الجمعة، أن الدعوى التي رفعتها باماكو ضد الجزائر بسبب إسقاط طائرة مسيّرة عسكرية لن تُبحث إلا إذا قبلت الجزائر الولاية القضائية للمحكمة.

هذه الخطوة، وإن بدت إجرائية، إلا أنها تكشف هشاشة العلاقة بين البلدين الجارين وتحوّل حادث الطائرة إلى ملف صراع مفتوح على المستويات القانونية والسياسية والدبلوماسية.

خلفية الأزمة

اندلعت الأزمة مطلع أبريل/نيسان الماضي حين أعلنت الجزائر أنها أسقطت طائرة مسيّرة مسلحة بعد اختراقها مجالها الجوي قرب بلدة تين زاوتين الحدودية.

الجزائر رأت في الحادث انتهاكاً لسيادتها، بينما أصرت مالي على أن الطائرة كانت في “مهمة استطلاعية” ضد جماعات مسلحة داخل أراضيها.

ومنذ ذلك التاريخ، تصاعد التوتر الدبلوماسي بين البلدين، لتصل ذروته برفع مالي دعوى أمام محكمة العدل الدولية متهمة الجزائر بارتكاب “عمل عدواني”.

موقف محكمة العدل الدولية

المحكمة أكدت في بيانها أنها أحالت طلب مالي إلى الجزائر، مشيرة إلى أن النظر في القضية متوقف على قبول الجزائر اختصاص المحكمة.

وبهذا، تحوّلت القضية من نزاع ثنائي إلى اختبار لإرادة الجزائر في الانخراط في مواجهة قانونية دولية قد تضعها في موضع الاتهام أمام المجتمع الدولي.

الرد الجزائري: اتهامات حادة

الخارجية الجزائرية ردّت ببيان شديد اللهجة، وصفت فيه الخطوة المالية بأنها “مناورة فجة” تهدف إلى التغطية على فشل المجلس العسكري الحاكم في باماكو.

البيان اعتبر أن “المفارقة تكمن في أن سلطة عسكرية انتهكت الشرعية الدستورية داخلياً، تحاول التظاهر بالتمسك بالقانون الدولي خارجياً”، في إشارة إلى الانقلاب الذي أوصل الطغمة العسكرية إلى السلطة في مالي.

الجزائر شددت أيضاً على أنها “لن تسمح باستغلال محكمة العدل الدولية في تضليل مكشوف”، مؤكدة تمسكها بالقانون الدولي وباحترامها للمحكمة، لكن دون أن تكون طرفاً في ما وصفته بـ”مسرحية سياسية”.

أبعاد أعمق للنزاع

المراقبون يرون أن الأزمة تتجاوز مجرد حادثة طائرة مسيرة. فالعلاقات بين الجزائر ومالي متوترة منذ سنوات بسبب ملفات معقدة؛ من أبرزها دور الجزائر كوسيط في اتفاق السلام الموقع مع الحركات الأزوادية عام 2015، والذي انهار عملياً مع عودة التوترات شمال مالي.

كما يضاف إلى ذلك التقارب المتزايد بين باماكو وموسكو، ما يثير حساسية الجزائر التي تسعى للحفاظ على نفوذها التقليدي في المنطقة.

ما وراء الطائرة

الحادثة، بحسب محللين، قد تكون واجهة لصراع أوسع على النفوذ في الساحل والصحراء، حيث تتحرك قوى دولية وإقليمية متنافسة.

مالي ترى في التحرك القانوني محاولة لإحراج الجزائر أمام المجتمع الدولي، بينما تعتبر الجزائر أن ما يجري ليس سوى محاولة للهروب من أزمات الداخل المالي وإلقاء اللوم على “عدو خارجي”.

إلى أين؟

حتى الآن، تبدو فرص مضي الدعوى قدماً ضعيفة ما لم تغيّر الجزائر موقفها وتقبل اختصاص المحكمة، وهو ما تستبعده معظم التقديرات.

ومع ذلك، فإن مجرد وصول الخلاف إلى محكمة العدل الدولية يعكس حجم الهوة بين البلدين ويدفع باتجاه مزيد من التوتر في منطقة لا تحتمل المزيد من الأزمات.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى