مقالات وآراء

د. حسن المجمر يكتب : صورة السودان في الإعلام الخارجي: من يرسم ملامحها؟

أثار قرار سحب ترخيص مديرة مكتب قناتي العربية والحدث الزميلة لينا يعقوب من ممارسة العمل الصحفي في البلاد جدالًا واسعًا، ويدعونا كمهنيين وإعلاميين سودانيين إلى مناقشة الموضوع من زوايا جوهرية تتصل بدور وتأثير تغطية الإعلام الدولي للنزاع المسلح الدامي الذي تشهده أجزاء عزيزة من بلادنا وهي ولايات دارفور وبعض ولايات الوسط التي تم تحريرها.

دور وسائل الإعلام إيجابًا وسلبًا
ليس هناك من شك في الدور الإيجابي الذي لعبته وسائل الإعلام العالمية الناطقة بالعربية حيث أسهمت – على سبيل المثال لا الحصر – في نقل صور الفظاعات التي تعرض لها المدنيون والمنشآت المدنية، وإتاحة الفرصة لأصوات الضحايا وروايات شهود العيان ومعاناة الناس أثناء تهجيرهم قسرًا من بيوتهم وإذلالهم وسلب ونهب ممتلكاتهم وقتلهم واغتصاب حرائرهم. كما استعرضت وسائل الإعلام تلك آراء المتحدثين باسم الدولة والقوات المسلحة والقوات المشتركة، بما في ذلك استعراضها لفيديوهات جرائم ارتكبها ووثقها أفراد قوات الدعم السريع المتمردة بأنفسهم عوضًا عن الأقوال والتدخلات المتضاربة للمتحدثين باسمها.

في الجانب السالب، تجاهلت الكثير من وسائل الإعلام التزام التوصيف القانوني الدقيق لقوات الدعم السريع بأنها قوات متمردة انشقت عن الجيش الذي كانت تتبعه قانونًا، وصرح قائدها صباح يوم 15 أبريل 2023 أنه خلال ساعات سيبسط سيطرته على البلاد ويلقي القبض على القائد الأعلى للجيش ورئيس مجلس السيادة ويقدمه للمحاكمة. كما تجاهلت قرار رئيس مجلس السيادة بحل الدعم السريع وتصنيفه جماعة إرهابية بموجب القيم الدستورية، بل استمر بعض الإعلام في مساواة مجحفة بين القوات المسلحة المسؤولة عن صون حدود وسيادة الوطن والمجموعة المنشقة المتمردة.

لم تعبأ معظم وسائل الإعلام بتتبع وتقصي اتهامات الحكومة السودانية والجيش لدول إقليمية بتقديم الدعم المادي والاستخباري للمتمردين والمتمثل في إيصال السلاح والذخيرة والمرتزقة وحتى الكساء والغذاء لمقاتليه، على الرغم من إثبات ذلك في مصادر موثوقة تمثلت في تقارير المنظمات الدولية المستقلة وآليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، والتغطيات الصحفية لوسائل الإعلام العالمية الغربية.

تأثير التغطيات الصحفية
أسهمت بعض وسائل الإعلام الدولية الناطقة بالعربية، بمنهجية مقصودة أو بدونها، في بناء صورة ذهنية مغايرة لطبيعة الصراع بين قوى عسكرية متمردة حاولت السيطرة على البلاد مستخدمة كل ما يتعارض مع مبادئ القانون الدولي لتحقيق هدف سياسي محدد احتكرته مجموعة سياسية بعينها عبر خطة بدعم دولي وإقليمي تمثل في (الاتفاق الإطاري) الذي تناول مسائل وطنية جوهرية لا ينبغي المساس بها خلال الفترات الانتقالية، مثل بناء نظام سياسي وأمني جديد وهيكلة القوات المسلحة والقضاء، بينما كان الواجب أن تقتصر مهام المرحلة الانتقالية على تسيير الخدمات وحفظ الأمن وتهيئة البلاد للانتخابات.

في هذا السياق، ركزت معظم وسائل الإعلام على فتح منابرها لمجموعات سياسية محلية صغيرة لم تحقق أي حضور انتخابي حقيقي في تاريخ البلاد، واستغلت لغة غير مألوفة للجمهور العربي عن السودان المعروف بالتسامح والعلاقات الاجتماعية القوية. كما ركزت على إدانة النظام السابق حصريًا عبر انتقاء الانقلابات العسكرية السابقة ونبش الوثائق والفيديوهات القديمة، دون أن تفرد مساحة لأي إنجازات وطنية أو إقليمية، رغم أن للنظام السابق سلبياته وإيجابياته شأنه شأن أي نظام سياسي.

حرية الإعلام والمعايير المهنية
في كل العالم، تُحكم التغطية الصحفية بمعايير مهنية وأخلاقية وقانونية، وينحصر هدفها في تحقيق الصالح العام عبر الرقابة على صناع القرار ومؤسسات المجتمع. المعايير الأخلاقية تشمل التوازن والمصداقية والموضوعية والدقة والاستقلالية والحياد والإنسانية، بينما المعايير القانونية تشمل عدم التمييز، سيادة القانون، العدالة، المشاركة الواسعة، والمساءلة.

إسهام الإعلام في كشف الفساد والانتهاكات ضرورة لتمكين الشعوب من الاستفادة من مواردها وحمايتها من الاستبداد، لكن ذلك يستوجب التزامًا بالمسؤوليات المهنية، خاصة أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (المادة 19) يجيز فرض قيود قانونية على حرية التعبير عند الضرورة لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو حقوق الآخرين وسمعتهم.

سقف التغطية في السودان مقارنة بالمنطقة
السودان يتيح للإعلام هامشًا واسعًا من الحرية مقارنة بدول المنطقة، حيث يتمكن الإعلاميون من الوصول إلى المعلومات، إجراء مقابلات مباشرة مع مسؤولين حكوميين ومعارضين وقيادات عسكرية وضحايا مدنيين، والبث المباشر من مناطق النزاع، دون سقف رقابي مطلق. وهنا يطرح السؤال: هل هناك دولة في المنطقة تسمح بهذا القدر من التغطية؟

أسئلة ختامية

  • هل سيغير قرار سحب ترخيص الزميلة لينا يعقوب من سياسة قناتي العربية والحدث تجاه تغطية النزاع في السودان؟
  • هل الزميلة هي التي تحدد خط القناتين التحريري أم أن ذلك قرار سياسي وإداري أوسع؟
  • هل تقوم وزارة الإعلام أو الإعلام الخارجي برصد وتحليل صورة السودان في الإعلام الدولي؟

بهذه التساؤلات يظل التحدي قائمًا: كيف نوازن بين حرية الإعلام والمسؤولية الوطنية، بحيث لا تتحول التغطيات إلى أداة لتشويه الحقائق أو تبرير الانتهاكات؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى