
رؤية سياسيةـ شرعيةـ استراتيجية
منذ أشهر يدور الحديث بكثافة عن إقامة دولة فلسطينية، بينما تستمر محاولات القضاء على المقاومة، خصوصًا حركة حماس.
وبينما يظن البعض أن العالم المجرم الهمجي الخائن قادر على فرض تسوية من فوق، فإن قراءة متأنية للتطورات تكشف أن المسألة ليست إلا حلقة جديدة في مؤامرة ممتدة تهدف لالتقاط الأنفاس، وتهدئة الشعوب الحرة، وتثبيت الاحتلال في الضفة والقدس، دون أن تنهي جذور المقاومة.
أولًا: الدولة تحت الاحتلال.. قناع لا أكثر
التجارب السابقة تشير إلى أن أي “دولة” لا تملك سيادة على حدودها، ولا تتحكم في مواردها ومياهها وأجوائها، ستبقى كيانًا وظيفيًا بلا معنى.
قد تُستخدم هذه الخطوة كأداة لامتصاص غضب العالم بعد الجرائم في غزة، لكنها عمليًا ستمنح إسرائيل فرصة لضم أكبر مساحة من الضفة الغربية، وإبقاء الوضع على ما هو عليه.
إن الحديث عن “حلّ دولتين” في ظل التوسع الاستيطاني هو مجرد وهم، بل غطاء سياسي لابتلاع الأرض.
ثانيًا: القضاء على حماس.. وهم مكلف
منذ سنوات يردد قادة الاحتلال وحلفاؤهم شعار “تصفية حماس”. لكن الواقع أثبت أن الحركات الشعبية المقاومة لا تنتهي بقرار عسكري ولا بقانون دولي.
فالمقاومة الفلسطينية لم تكن يومًا تنظيمًا فقط، بل هي إرادة شعب، ونداء من أعماق العقيدة الإسلامية: “وجاهدوا في سبيل الله”، حتى زوال الاحتلال.
تجارب التاريخ، من الجزائر إلى فيتنام، برهنت أن الاحتلال قد يقتل القادة ويهدم البيوت، لكنه لا يستطيع قتل الفكرة. بل إن محاولات الاجتثاث غالبًا ما تُنتج مقاومة أشد صلابة وتنظيمًا.
ثالثًا: الشعوب الحرة لا تُخدع
العالم الحر، الذي خرج بمظاهرات بالملايين من واشنطن إلى لندن وإسطنبول وكوالالمبور، لم يتوقف عن الاعتراض على المجازر.
هؤلاء لا يُسكتهم إعلان سياسي هشّ، بل يرون الحقيقة: هناك شعب يُباد ويُهجّر.
ولذلك فإن أي خطوة شكلية لإقامة دولة ناقصة لن تنجح في إسكات الضمير العالمي، ولن توقف مسيرة الكرامة والرفض.
رابعًا: الرؤية الشرعية
من منظور شرعي، المقاومة دفاع مشروع عن الأرض والعرض والكرامة. قال تعالى: ﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان﴾ [النساء: 75].
لكن الشرع يضع ضوابط أساسية: تجنب استهداف الأبرياء، وضمان قيادة مسؤولة، وحفظ المقاصد الكبرى للشريعة ( النفس، الدين، العقل، العرض، المال ).
وبذلك تبقى المقاومة حقًا وواجبًا، ما دامت محكومة بالشرعية الأخلاقية والضوابط الإسلامية.
خامسًا: الاستراتيجية الواقعية
السيناريو المرجّح هو استمرار محاولات فرض “دولة” شكلية، مع تعزيز الاحتلال في الضفة، واستخدام “محاربة الإرهاب” كذريعة لإقصاء المقاومة.
لكن الخلاصة الاستراتيجية أن:
- الدولة الوظيفية لن تُطفئ جذوة المقاومة.
- القضاء العسكري على حماس غير ممكن عمليًا ومكلف سياسيًا.
- الشعوب الحرة ستبقى سيفًا على رقاب المحتلين مهما طال الزمن.
خاتمة: إقامة دولة فلسطينية بلا سيادة، أو شن حرب لاجتثاث المقاومة، ليسا إلا أوهامًا لتأجيل الحسم. المقاومة ليست قرارًا تنظيميًا، بل هي قدر أمة، وإرادة شعب، ونداء من الله تعالى.
وستبقى حتى يتحقق الوعد الحق: ﴿حتى يطهر بيت الله من دنس الاحتلال، وتتحرر الأرض من الغاصبين﴾.