ملفات وتقارير

ما دلالات مناورات “بحر الصداقة” بين تركيا ومصر؟

انطلقت أمس الاثنين مناورات “بحر الصداقة” بين مصر وتركيا والتي تستمر حتى الـ26 من الشهر الجاري بمشاركة فرقاطات وغواصات وزوارق هجومية ومقاتلات إف 16 تركية ووحدات بحرية مصرية وبحضور قائدي القوتين البحريتين للبلدين. الخطوة تعكس بحسب خبراء تحولات شرق أوسطية قائمة، لا سيما بعد الضربة الإسرائيلية على  الدوحة، وإعلان السعودية وباكستان عن اتفاق استراتيجي للدفاع المشترك. وتأتي المناورات في ظل استمرار تحسن العلاقات بين البلدين ومن المقرر أن يكون مسرحها هو منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، بحسب ما ذكرت وكالة اسوشيتدبرس.

وقالت وزارة الدفاع التركية إنه من المتوقع أن يحضر كبار قادة القوات البحرية في البلدين “يوم مراقبة رفيع المستوى” في 25 سبتمبر/أيلول، مما يؤكد أهمية المناورات، بعد أكثر من عقد من العلاقات المتوترة بين البلدين. وقال قائد عسكري تركي كبير لصحيفة يني شفق التركية إن المناورة ستشمل “الفرقاطتين TCG Oruçreis وTCG Gediz، وزورقي الدوريات السريعين TCG İmbat وTCG Bora، والغواصة TCG Gür، وطائرتين F-16، إلى جانب عناصر من البحرية المصرية، وهي المناورات التي تُركز على تعزيز التوافق التشغيلي بين البلدين وعمليات البحث والإنقاذ”.

وتقاربت مصر وتركيا في عدة ملفات في الآونة الأخيرة وخصوصاً الموقف من الحرب في غزة. ومنذ الاتفاق على إصلاح العلاقات وإعادة تعيين السفراء في 2023، شهدت العلاقات بين البلدين تحسناً كبيراً شمل عدة زيارات بين القادة والمسؤولين الأتراك والمصريين منذ ذلك الحين. وفي القلب من هذه العملية كانت المصافحة الشهيرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي أردوغان في قطر.

دلالالة التوقيت

ويرى مراقبون أن دلالة التوقيت لافتة نوعا ما، وتأتي في سياق إقليمي مضطرب، كما أن حجم القوات المشاركة من البلدين وثقل القيادات العسكرية التي ستتابع مجرياتها، كلها أمور تشير إلى أنها مناورات غير عادية، بحسب الكاتب التركي جواد غوك. وأضاف في مداخلة على قناة دويتشه فيله أن “حجم المناورات والتي تأتي بعد عودة العلاقات السياسية بين البلدين وفي هذه الظروف الحساسة هو أمر لافت للانتباه”.

ويرى الخبير التركي أن “هناك عدة أهداف من هذه المناورات البحرية منها السياسي ومنها الاقتصادي والعسكري، وكل ذلك يأتي في إطار رؤية “الوطن الأزرق” والذي يمثل إطارًا لسياسة تركيا البحرية، وهو مفهوم ترى تركيا من خلاله أن لها حقوقًا في المياه المحيطة بها، بما تشمله من ثروات وموارد طبيعية، وفي هذا السياق تحسنت العلاقات المصرية التركية بشدة باعتراف مصر بالحدود البحرية التركية وهو ما ثمنته أنقرة للقاهرة كثيراً”.

تطور هائل في عودة العلاقات

ويرى الدكتور محمد عماد صابر المحلل السياسي أن منذ 2013 وحتى سنوات قليلة، ظلّت العلاقات التركية– المصرية أسيرة خلافات أيديولوجية حادة، وتباينات في ملفات إقليمية مثل ليبيا، سوريا، وفلسطين. وقد لعب الإعلام دوراً مركزياً في تأجيج الصورة السلبية المتبادلة، بينما استُخدمت أوراق المعارضة في أنقرة أو القاهرة كورقة ضغط متبادلة.

وقال في تصريحات خاصة لموقع أخبار الغد أن بعد تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الأخيرة بأن العلاقات وصلت إلى “أفضل مستوياتها في التاريخ الحديث” تمثل قطيعة مع ذلك الإرث. وأضاف لكن بعد عقد تلك المناورات فنحن أمام إعادة تعريف للتحالفات الإقليمية: التعاون في ملف غزة، حيث تتلاقى الرؤية التركية– المصرية- السعودية على رفض التوسع الإسرائيلي. الانفتاح على فكرة منصة دفاعية مشتركة للدول العربية والإسلامية، وهو طرح تركي جريء يعكس إدراك أن التحديات الأمنية لم تعد محصورة داخل الحدود الوطنية. التنسيق في ليبيا وسوريا، بما يعزز الأمن القومي لكلا الطرفين، ويمنع الأطراف الخارجية من توظيف الانقسامات لصالحها.

إعادة ترسيم خريطة النفوذ

بدوره قال حزب غد الثورة الليبرالي المصري إن هذه المناورات ليست مجرد تدريب عسكري مشترك، بل هي رسالة واضحة إلى المنطقة والعالم بأن التعاون المصري التركي يعيد رسم معادلات الأمن الإقليمي، ويمنح البحر المتوسط بعدًا جديدًا كبحرٍ للأمن المشترك بدلًا من أن يكون ساحةً للصراعات المفتعلة. وهي كذلك تأكيد أن إرادة الشعوب أقوى من محاولات التفتيت، وأن المصالح الاستراتيجية لا تُقاس بلغة الانقسامات، وإنما تُبنى على الثقة والتكامل.

وأضاف الحزب في بيان أن المناورات بين مصر وتركيا عنوان لمرحلة جديدة من التعاون تتكامل فيها القدرات البحرية والجوية واللوجستية لكلا البلدين، بما يعزز حماية الممرات البحرية، وأمن الطاقة، ومكافحة الإرهاب والقرصنة، ويدعم قدرة شعوبنا على صون مقدراتها في مواجهة التهديدات الخارجية. وثمّن الحزب هذا التقارب المصري التركي الذي لا يقتصر أثره على المجال العسكري فقط، بل يمتد إلى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، فاتحًا آفاقًا جديدة أمام شراكات ثنائية وإقليمية تساهم في استقرار المنطقة وتضع أسسًا لسلام عادل وشامل، يقوم على العدالة لا على الإملاءات.

وبدأت مناورات “بحر الصداقة” عام 2009 في مياه المتوسط، واستمرت سنويًا حتى عام 2013، قبل أن تتوقف بسبب توتر العلاقات السياسية بين القاهرة وتركيا. يُنظر إلى استئنافها اليوم كمؤشر على تحسن ملموس في العلاقات الثنائية، ورغبة مشتركة في تعزيز التعاون الأمني والدفاعي في منطقة شرق المتوسط.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى