د. طارق الزمر يكتب : بعد خطاب ترمب الصادم أمام الجمعية العامة.. ماذا سيقول نتنياهو امامها ؟!”

في خطابه المثير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رسم ملامح النظام الدولي كما يراه: عالم بلا أمم متحدة، بلا قانون دولي، بلا شراكات متعددة الأطراف.
عالم تهيمن عليه القوة الأمريكية المجردة، وتصنع فيه واشنطن القانون بديلاً عن القانون، وتوزّع الشرعية بحسب مصالحها لا بحسب قواعد المجتمع الدولي.
كان الخطاب صدمة في وضوحه، جرأة في نبرته، وانقلابًا على المفاهيم التي قامت عليها المنظمة الدولية ذاتها. تحدّث ترمب عن الأمم المتحدة ككيان متهالك غير قادر على الفعل، وراح يُفاخر بأن بلاده هي من تقوم بكل الأدوار العالمية دون مقابل: في الأمن، والسياسة، والدفاع، والاقتصاد، ومكافحة ما وصفه بالإرهاب. بل إنه لم يتردد في مهاجمة الدول التي “تستفيد ولا تدفع”، محذرًا من أن زمن المجاملة الدولية قد انتهى!
لكن الأهم من محتوى الخطاب، هو ما فتحه من مساحة لخطاب أكثر تطرفًا، أكثر وقاحة، وأكثر عنصرية سيُلقيه بنيامين نتنياهو بعد أيام.
فنتنياهو، الذي طالما عمل على إضعاف الشرعية الدولية، ومهاجمة مؤسسات الأمم المتحدة باعتبارها معادية لإسرائيل، سيجد في خطاب ترمب رخصة سياسية وأخلاقية لصياغة خطاب يُمثل ذروة الغطرسة الصهيونية في المحافل الدولية. بل يمكن القول إن خطاب ترمب قد أزاح السقف تمامًا، وسمح لنتنياهو أن يطلّ على العالم من موقع “القوة غير المُقيّدة”، لا من موقع “الدولة المحاصرة بالدبلوماسية”.
ومن المرجح أن يستثمر نتنياهو خطابه ليُقدّم إسرائيل على أنها:
- • ركيزة الاستقرار في الشرق الأوسط الجديد، لا كقوة احتلال.
- • قائدة الحرب على “الإرهاب الإسلامي” العالمي، لا كمنفذة لجرائم إبادة في غزة.
- • رأس الحربة الغربية في معركة الحضارات، لا كعدوّ لشعوب المنطقة.
وسيتقاطع مع خطاب ترمب في نقاط محورية:
- 1. رفض الدولة الفلسطينية: بعد أن أكّد ترمب ضمناً أن لا مكان لفلسطين في خريطة الشرق الأوسط الجديد، سيجد نتنياهو الفرصة لتكرار رفضه للحلّ الدولتين، وتقديم التوسّع الاستيطاني كـ”أمر واقع لا عودة عنه”.
- 2. تصوير المقاومة كإرهاب: كما هاجم ترمب حركة حماس وبارك دعم إسرائيل في غزة، سيسترسل نتنياهو في شيطنة المقاومة، معتبرًا أنها امتداد للإرهاب العالمي الذي تُقاتله أمريكا.
- 3. شرعنة الضربات الاستباقية: بعد تباهي ترمب بهجماته على إيران وتهديده باحتلال أفغانستان، سيبرر نتنياهو توسيع رقعة العدوان الإسرائيلي ضد ما يسميه “أذرع إيران في المنطقة” كجزء من استراتيجية وقائية.
- 4. الهجوم على الشرعية الدولية: كما وجّه ترمب إهانة غير مسبوقة للأمم المتحدة، سيُكرر نتنياهو مقولته الشهيرة: “إسرائيل تحارب في الشرق الأوسط نيابة عن العالم، بينما هذا العالم يُدينها في الأمم المتحدة”.
بهذا المعنى، سيكون خطاب نتنياهو هو النسخة الإسرائيلية من الفوضى الدولية التي يبشر بها ترمب؛ فوضى بلا قانون، بلا ضوابط، بلا مؤسسات، تعود فيها الكلمة الفصل للقوة المجردة، وللتحالف الأمريكي – الصهيوني المتوحش الذي يرى العالم من زاوية مصالحه، ويُحاكم الشعوب من خلال رواياته.
لكن هذه اللحظة التي يعتبرها نتنياهو وتتلمذ ترمب عليها بوصفها “الفرصة الذهبية” لتصفية القضية الفلسطينية وتمكين إسرائيل من قيادة المنطقة، هي – في المقابل – اللحظة التي تختزن أعظم عوامل الانفجار: انفجار الشعوب، وارتداد الفوضى، وسقوط الهالة الأمريكية التي تتآكل من الداخل.
إن العالم اليوم لا يستمع لخطابين فقط، بل يشهد على سقوط أسطورة النظام الدولي “القائم على القانون”، وصعود نظام عالمي يُدار من فوق منصة تل أبيب وواشنطن، حتى إشعار آخر.