مقالات وآراء

د. محمد عماد صابر: دور الغرب في حماية دولة الكيان من الزوال.. دوافع، أدوات، وتداعيات (6)

تُعدّ إسرائيل اليوم شريكًا مركزيًا في حسابات الأمن والسياسة الخارجية الغربية. ومع تصاعد الأزمات الإقليمية والصراعات المفتوحة، لا تنظر عواصم غربية كبرى ( لا سيما الولايات المتحدة ودول أوروبية مؤثرة ) إلى بقاء «دولة الكيان» كأمرٍ مجرد أخلاقي أو تاريخي، بل كـمصلحة استراتيجية يجب حفظها لمنع فراغ أمني وسياسي في الشرق الأوسط.

السؤال: لماذا يحرص الغرب على إبقاء إسرائيل قائمة وقوة فاعلة؟

.. الجواب؛ دوافع استراتيجية

  1. استقرار إقليمي نسبي: الاحتفاظ بدولة إسرائيل كقوّة منظمة يوفّر نقطة ثبات في منطقة متقلبة، ويقلّل خطر تفجّر حروب إقليمية أوسع أو فراغ أمني يمتد إلى دول الجوار.
  2. المصالح الأمنية والاستخباراتية: لإسرائيل قيمة استخباراتية وعسكرية مهمة للغرب في مواجهة التهديد الإيراني والجماعات المسلحة، ومن ثم فإن سقوط أو تفكّك الدولة يعني خسارة شبكة تعاون استخباراتي وعسكري مهمة.
  3. حماية طرق الطاقة والمصالح الاقتصادية: أي انهيار كبير قد يزعزع أسواق الطاقة والتجارة، ويعرّض الاقتصادات الغربية لصدمة في أسعار واستقرار الإمدادات.
  4. منع موجات نزوح وانهيارات إنسانية: انهيار منظّم في إسرائيل أو اشتعال حرب أهلية له تبعات إنسانية هائلة قد تتدفق إلى جيران أوروبا والمنطقة.
  5. الاعتبارات الداخلية- السياسية: لدى كثير من النخب السياسية في الغرب ولوبيات الضغط وجهات انتخابية مصالح ومعايير تاريخية تجعل الحفاظ على أمن إسرائيل أولوية.

السؤال الثانى: ما أدوات الغرب لدرء زوال الدولة ودعم استمرارها؟

الجواب؛ متعددة:

  1. الدعم العسكري واللوجستي: إمداد بالأسلحة الذكية، ذخائر، وقطع غيار منظومات دفاعية، وتعاون في التدريب والتدخّل اللوجستي- وهو العنصر الأكثر مباشرة في إبقاء قدرة الدولة القتالية قائمة.
  2. التغطية الدبلوماسية: استخدام مكانة مؤثرة في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لدرء قرارات إدانة قد تضعف شرعية إسرائيل أو تفرض عقوبات مؤثرة؛ وفي بعض الحالات يمتد ذلك إلى التريث في تبنّي إجراءات عقابية.
  3. دعم اقتصادي واستقرار السوق: حزمة مساعدات طارئة، تسهيلات ائتمانية، وتعاون اقتصادي يساعد في تجنب الانهيار المالي الذي يفاقم انهيار الدولة.
  4. مبادرات إعادة الإعمار والتطبيع الإقليمي: دفع مسارات تطبيع أو اتفاقات اقتصادية إقليمية تقلل عزلة إسرائيل وتفتح لها منافذ دعم اقتصادية وسياسية. ( انظر درس «اتفاقيات إبراهيم» كإطار للتكامل الإقليمي ).
  5. التعاون الاستخباري المشترك والضربات الوقائية: مشاركة معلومات عن تهديدات إقليمية وتنسيق عمليات استهداف شبكات معادية أو منع هجمات كبرى تهدّد أمن داخل الدولة.
  6. الاحتواء السياسي عبر القنوات الإقليمية: تشجيع اللاعبين الإقليميين (مصر، الأردن، دول الخليج) على لعب دور احتوائي لتجنّب اتساع الصراع أو انهياره.

هذه الأدوات مجتمعة تعمل كشبكة أمان تجعل من تعرض الدولة لصدمة أكبر أقل احتمالًا لأن تؤدّي إلى انهيار كلي.

السؤال الثالث: هل يوجد توازن بين الدعم والضغط

والاجابة نعم: يوجد أمثلة على ردود افعال غربية متوازنة تمييز بين الدعم والضغط.

هذا لأن الغرب لا يقدم دعمًا أعمى، فمع حفظه للكيان كمكوّن استراتيجي، يوازن أحيانًا بين دعم الأمن والانتقاد السياسي ( مثل مطالبات بوقف تجاوزات أو استهداف للمدنيين )، أو حتى فرض إجراءات تجارية دبلوماسية محدودة حين تتصاعد الانتهاكات.

ومن الأمثلة كذلك مؤسسات الاتحاد الأوروبي ناقشت خيارات لخفض الامتيازات أو تعليق اتفاقيات إذا لزمت الضرورة السياسية، بينما تستمر قنوات الدعم الأمني.

هذا التوازن يعكس محاولة الغرب حماية الدولة من السقوط دون تحمّل تبعات إسقاطها، وفي الوقت نفسه تجنبه لتأييد سياسات قد تضر بالشرعية الدولية على المدى الطويل.

بالتأكيد تداعيات سياسة الحماية الغربية لها تكاليف ومخاطر خفية منها:

  1. تمكين سلوكيات من شأنها أن تقوّض طولياً السلام: الدعم الأمني غير المشروط قد يسمح بمواصلة سياسات استيطانية أو عمليات عسكرية تُغذي الاستقطاب وتقلّص فرص التسوية.(انتقادات وسياسات أوروبية تؤشر لسياسة مزدوجة).
  2. اعتماد أمني مُفرط: إسرائيل قد تصبح أكثر اعتمادًا على حماية خارجية بدلاً من بناء تسويات سياسية استراتيجية تطيل عمر الدولة على أُسس متقبلة إقليميًا.
  3. حساسية داخلية غربية: استمرار دعم بلا ضوابط يواجه ضغطًا داخليًا وقانونيًا في دول غربية (شواهد استفتاءات، ضغط من مجتمع مدني لوقف مبيعات السلاح)، ما قد يخلق مفارقات في الاستقرار السياسي للعلاقات مع إسرائيل.
  4. مشروعية أخلاقية متآكلة: كلما بدا الدعم كسترّ لسياسات مرفوضة دوليًا، قُوّضت مشروعيّة الفاعل الغربي وأُضعفت قواعد القانون الدولي.

ختاما: الخلاصة الاستراتيجية- هل هذه «حماية» صحيحة أم “إدامة” لأزمة؟

الغرب يلعب دورًا مركزيًا في منع انهيار دولة الكيان لأن انهيارًا كهذا يحمل تبعات شديدة الخطورة على مصالحه الاستراتيجية والإنسانية والاقتصادية.

لكن هذه الحماية ليست بلا ثمن: إذ تحوّل التبعية الأمنية إلى فخّ قد يُطيل حالة الصراع ويؤخر البحث عن تسوية سياسية عادلة.

لذلك، من المنظور الاستراتيجي الحقيقي، يكون الأفضل للغرب أن يجمع بين: دعم أمني يكفل الاستقرار الفوري- لمنع الانهيار والفراغ.

ضغط سياسي ملزم- يهدف إلى وقف سياسات تؤدي لتآكل إمكانية حل سياسي (وقف الاستيطان، احترام القانون الدولي، مسارات لإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية).

رعاية عملية لحلول إقليمية/ إدماج العملية في جهد إقليمي يضمن تبنّي مصالح أمنية واقتصادية متبادلة تقلّل من منطق المواجهة.

هذه المعادلة — إذا نُفّذت بصدق — تحول حماية الوجود إلى فرصة لتحويل حالة «الحرب المؤجلة» إلى إدارة سياسية مستدامة، بدلاً من مجرد إبقاء كيان هشّ على قيد الحياة عبر الاعتماد الخارجي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى