مقالات وآراء

د. محمد عماد صابر يكتب: مشهد عالمي يتغير- كيف نستثمره لنُسرِّع زوال الاحتلال؟ (11)

“أين يقف العالم اليوم؟”

اتجاهات عالمية رافضة للاحتلال والإبادة، يوازيها اعترافات بالدولة الفلسطينية تتسارع خلال سبتمبر 2025 حيث انضمت دول غربية كبرى ( بريطانيا، كندا، أستراليا، فرنسا، بلجيكا، لوكسمبورغ، مالطا، أندورا، البرتغال… )، لترتفع الاعترافات إلى ما يقارب ثلاثة أرباع دول العالم، في تحول نوعي داخل المعسكر الغربي نفسه.

إسبانيا نموذجًا للانتقال من الخطاب إلى الإجراء: مدريد أعلنت وأقرّت عمليًا حظر تسليح كامل وقيودًا اقتصادية وقانونية متصاعدة على إسرائيل، وشرعت في إلغاء صفقات دفاعية قائمة.

هذا يُحوِّل الاعتراف/ الإدانة إلى سياسة عامة ذات كلفة.

قرارات برلمانية وقضائية أوروبية تضيق الخناق: البرلمان الأوروبي مرّر قرارًا غير ملزم يدعو لوقف المجاعة في غزة، الإفراج عن الرهائن، والمضي نحو حلّ الدولتين؛ وبرلمانات وهيئات قضائية محلية (بلجيكا/ بروكسل) دفعت نحو حظر العبور والتجارة العسكرية وأوصت بإجراءات عقابية.

توسّع أثر المحاكم الدولية: محكمة العدل الدولية (ICJ): أوامر إجراءات مؤقتة (يناير ومايو 2024) تُلزم إسرائيل بمنع أعمال الإبادة وتيسير المساعدات وحفظ الأدلة؛ ورأي استشاري ( يوليو 2024 ) اعتبر الوجود الإسرائيلي في الأرض المحتلة غير قانوني وحدّد التزامات على الدول.

المحكمة الجنائية الدولية (ICC): صدرت مذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالنت (نوفمبر 2024)؛ ما يعني التزام 125 دولة عضوًا في روما بتوقيفهما إن دخلا أراضيها.

وتواصل الدعاوى والإجراءات في 2025.

«مجموعة لاهاي» تتحوّل إلى منصة تنسيق دولي: تكتّل دولي انطلق 31 يناير 2025 لتعزيز إنفاذ القانون الدولي ضد جرائم إسرائيل، عبر تنسيق حظر السلاح، منع رسوّ سفن السلاح، ودعم مسارات ICJ /ICC، مع اجتماعات وزارية وحشد دولي متزايد.

المجتمع المدني العالمي– من «أساطيل الحرية» إلى ملاعب الرياضة.

أساطيل الحرية/ الصلابة (Global Sumud): أكبر محاولات لكسر الحصار منذ 2010، واجهت هجمات وتجهيز موجات جديدة للإبحار، مع تغطية دولية واسعة زادت كلفة الحصار سياسيًا وإعلاميًا.

الضغط الرياضي/ الثقافي: تصاعدت دعوات تعليق عضوية إسرائيل في الاتحادين UEFA / FIFA، ونقاشات تصويت أوروبية، واحتجاجات جماهيرية في كبرى المباريات، مع حملات فنّية وإعلامية لوقف الحرب أو مقاطعة المؤسسات الرسمية.

مواقف المشاهير والفنانين: توسعت مبادرات مثل Artists4Ceasefire ورسائل علنية/ مواقف على السجاد الأحمر وحفلات الجوائز، مقابل رسائل مضادة في الصناعة الفنية؛ ما يدل على تسييس الثقافة لصالح كسر الصمت حول غزة.

تحويل «القانون» إلى سياسة عامة مُلزمة من رأي ICJ إلى أدوات تنفيذ: الرأي الاستشاري ( 19 يوليو 2024 ) يُحرِّك التزامات على الدول: عدم الاعتراف بالوضع غير القانوني، عدم تقديم العون له، واتخاذ إجراءات لإنهائه.

هذا يبرر: حظر السلاح، تقييد التجارة مع المستوطنات، ومساءلة الشركات.

سابقةٌ عملية: قرارات بلجيكية قضائية وإسبانية حكومية تُظهر كيف تُترجم الالتزامات إلى أوامر محاكم وقرارات تنفيذية توقف شحنات عسكرية وتعبر عن «واجب المنع».

“الأثر الإستراتيجي لهذا التغيير الجديد على القضية الفلسطينية”

  1. نزع الشرعية المتسارع عن الاحتلال يوسِّع العزلة السياسية ويخلق «تكاليف ملموسة» (قانونية، رياضية، اقتصادية، سمعة) تُضعف شبكة الدعم الدولي التقليدية.
  2. تثبيت السردية الحقوقية ( إبادة/ تجويع/ حصار ) بلغة المحاكم والهيئات يزيد قابلية المحاسبة ويُحرج الحلفاء.
  3. تحوّل في مواقف الرأي العام الغربي يفتح نوافذ تشريعية وقضائية أطول نفسًا من دورات السياسة التنفيذية القصيرة.
  4. تنامي «جيوسياسة الموانئ والملاعب»: عندما تُغلق الموانئ أمام السلاح وتتحول الملاعب إلى منصات ضغط، يصبح الاحتلال عبئًا متعدّد الجبهات.

“كيف نستثمر هذا الزخم؟”

( مصفوفة توصيات عملية )

(أ) ما الذي ينبغي على الدول الإسلامية فعله الآن؟

  1. محور القانون الدولي: الانضمام/ الدعم العلني لـ«مجموعة لاهاي» وخطتها التنفيذية، وتبنّي «حزم إجراءات موحّدة» ( حظر سلاح، مذكرات قبض، تعاون قضائي ).إحالات مشتركة للمدعي العام/الجنائية الدولية، وتشكيل فرق ادّعاء وطنية لتوثيق الجرائم وإيداعها دوريًا.
  2. محور الاقتصاد والتجارة: فرض حظر شامل على السلاح والثنائي الاستخدام والوقود العسكري، ومنع عبور/ تموين السفن المتجهة لإسرائيل، على غرار النماذج الإسبانية والبلجيكية.. وكذلك حظر منتجات المستوطنات والاستثمار فيها، ومراجعة سلاسل توريد الشركات المتورطة.
  3. محور الدبلوماسية المتعددة: قيادة مسعى لإدراج آلية أممية خاصة لمراقبة وإنفاذ قرارات ICJ ( نموذج «لجنة مناهضة الأبارتهايد» تاريخيًا ).

بناء تكتّل اعترافات إضافية بالدولة الفلسطينية مع ربطها بخارطة تنفيذية لإنهاء الاحتلال.

(ب) ما الذي على الحركات الإسلامية ومؤسسات المجتمع المدني؟

  1. عريب/ تعميم ملفّات التقاضي: إنشاء «مخازن أدلة» معيارية ( سلاسل حفظ، ميتاداتا )، وإطلاق منصات بلغة محلية/ عالمية تُغذّي القضايا أمام ICJ / ICC، مع تدريب فرق قانونية شبابية.
  2. اقتصاد المقاطعة الذكي: الانتقال من شعارات عامة إلى قوائم شركات قابلة للتأثير ( نقاط ضعف، بدائل مورّدين )، مع تقارير أثر ربع سنوية تُظهر النتائج لصنّاع القرار.
  3. الملاعب والثقافة كرافعات: مأسسة الشراكات مع روابط جماهيرية، نقابات لاعبين، مهرجانات سينما وموسيقى؛ دعم الحملات التي تطالب الاتحادات الدولية بإجراءات انضباطية حتى وقف الحرب وإنهاء الحصار.
  4. إمداد «أساطيل الحرية» ببنية دعم مستدامة: تأمين قانوني وبحري/ تأميني وإعلامي، وتوزيع الأدوار بين موانئ الانطلاق والتموين والضغط الدبلوماسي.

(ج) ما الذي على «الأحرار» حول العالم؟

1- التحرّك في أربع طبقات:

  • قانونية: دعم الطعون والقضايا محليًا ( حظر ترانزيت السلاح، وقف عقود البلديات مع شركات متورطة ).
  • اقتصادية: نقل الحسابات/ المشتريات إلى بدائل غير متورطة ونشر «سلال تسوّق خالية من التواطؤ».
  • رياضية/ ثقافية: مخاطبة الاتحادات والأندية والمهرجانات برسائل معيارية ومذكرات قانونية موجزة.
  • إعلامية موثقة: مشاركة محتوى يعتمد وثائق ICJ /ICC وقرارات الحكومات/ المحاكم لتجنب تهمة «المعلومات المضللة».

2- الدعم الإنساني المحمي قانونيًا:

تحويل التبرعات عبر قنوات ملتزمة بمقتضيات القانون الدولي الإنساني، مع شفافية أثر شهرية.

(د) الواجب الفردي لكل مسلم/ حر

ثلاثية التأثير اليومي:

  1. تعلم/ تعليم الحقائق القانونية الموثقة (ICJ/ICC).
  2. ضغط اقتصادي صغير متراكم ( اختيارات الشراء/ البنوك/ الأسهم ).
  3. مخاطبة ممثليك (نوّاب/ بلديات) بخطابات معيارية تطلب إجراءات محدّدة (حظر سلاح، عقود البلديات، استثمارات صناديق التقاعد).

الانخراط المنضبط في الفضاء الرقمي: مشاركة مواد قصيرة موثقة المصدر، وتفادي خطاب الكراهية أو التعميم؛ فالانتصار سرديًّا يحتاج انضباطًا أخلاقيًا وقانونيًا.

خارطة طريق تكتيكية لـ12 شهرًا

  1. ربع سنويًا: تقرير «إنفاذ لاهاي» يتابع الدول/ المدن/ الموانئ الأندية وما اتّخذته من إجراءات، ويقيس الأثر ( مؤشرات: شحنات موقوفة، عقود مُجمّدة، قرارات اتحادات.
  2. حملة موانئ ومطارات: شبكة محامين + نقابات عمّال الموانئ لعرقلة شحنات السلاح/ الوقود عابرًا للحدود. ( السوابق البلجيكية نقطة انطلاق ).
  3. ملف رياضي تنفيذي: مذكرة قانونية موحّدة للاتحادات ( قياسًا على سوابق روسيا ) تُحرّك تصويتات UEFA/FIFA بالتوازي مع ضغط جماهيري منظم.
  4. تعميق الاعترافات: استهداف برلمانات/ حكومات مترددة بملفات فنية تُظهر «تكافؤ الاعتراف مع واجبات عدم التواطؤ»، والبناء على موجة سبتمبر 2025.
  5. حماية قوافل البحر والبر: بروتوكول أمن/ تأمين/ اتصال واستجابة للطوارئ، مع غرفة أخبار مستقلة تغذي وسائل الإعلام في لحظتها.

“خلاصة مركزة”

العالم يتحرك من التعاطف إلى الإجراءات: اعترافات، حظر سلاح، قرارات قضائية، وضغط رياضي/ ثقافي.

القانون الدولي صار أداة هجومية بيد المؤيدين للحق الفلسطيني عبر ICJ /ICC و«مجموعة لاهاي»، والمطلوب تحويله إلى سياسة عامة ممنهجة.

الاستثمار الأمثل:

تنسيق دولي رسمي + ضغط مجتمعي منضبط + مسارات اقتصادية/ قضائية محددة الهدف. هذا المسار، مع صمود الفلسطينيين، يسرّع تفكيك كُلفة الاحتلال حتى زواله.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى