
(صوتي)
يا فرعون مصر:
لم يبقَ من جبروتك سوى جسد محنّط، في متحف الشرق، يلتقط الزوار بجواره صورًا، ويقرأون على وجهك المتجمّد قصة النهاية.
(المومياء)
كنتُ أظن أني الذي يضع نهايات قصص الآخرين… فإذا بي أُصبح أنا القصة.
(صوتي)
سجنتَ الرجال وذبحتَ الأطفال خشية مَن ينافسك… فجاءك القدر به في كنفك. فهذه سنّة الله: ﴿وَيًمكُرُون وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
(المومياء)
لم يمنع حذري قدري…
(صوتي)
قلتَ: لا تسمعوا غيري،
“أنا ربكم الأعلى”،
فكان الرد من أقرب الناس لك:
بل من غرفة قريبة منك، فكانت آسية تُسبّح لله، والعرش يتصدّع من حولك وأنت آخر من يعلم.
(المومياء)
لم أكن أعلم أنه يمكن أن يسقط عرشًا عتيًّا بكلمة.
(صوتي)
جيشك لم يرهبهم حين رأوا الحق، ولم يُخِف أحدًا. فالإيمان لا تهزمه السلاسل.
(المومياء)
امتلكتُ القوة… وفقدتُ القلوب.
(صوتي)
حسبتَ أن البحر سلاحك، فإذا به ينشقّ لقوم موسى، ويغرقك وجندك. حسبتَ النهر خادمك، فإذا به يهزمك وينهي مُلكك.
ما حسبتَ أن الماء، الذي جعل الله منه كل شيء حي، سيكون مقتلك.
(صوتي)
يا فرعون، أنت أسوأ من اعتلى حكم البلاد.
حولك الآن ملوك وملكات:
هناك أخناتون، أول من دعا للتوحيد،
وإلى جواره زوجته،
وهناك الملكة حتشبسوت، جاثيةً، ساجدةً، رمزًا للتواضع أمام الله والشعب، وهي التي أنجزت ما لم ينجزه الرجال.
هل تراهم؟
هل تعرفهم؟
(المومياء)
أعرف الوجوه… ولا أفهم لماذا نحن هنا.
(صوتي)
أنت هنا لتُعرَف أجيال لاحقة،
تاريخها مع الظلم والعدل،
مع حكّام أزفَت مثلك، وحكّام ماعت، لكي نحكي قصصكم،
ونشهد لكم أو عليكم.
التاريخ يا فرعون لا يُمحى،
وذاكرته لا يكتبها الطغاة بخطبهم، بل المظلومون بدموعهم.
(المومياء)
كنتُ أظن أن التاريخ مجرد نقش على حجر…
فإذا به دمٌ لا يجف.
خدعتني السلطة… وعدتني بالخلود، فساقتني إلى الزوال.
(صوتي)
كم من طغاة بعدك يظنون أن الخوف يحميهم، وأن التصفيق إلى حدّ الألم قد يخلّدهم، وأن القصور تصنع مجدهم.
(المومياء)
التصفيق كان موتي.
والكرسي كان نعشي.
(صوتي)
يا فرعون… رسالتي ليست لك،
بل لكل من يسير طريقك. فالنهاية أقرب مما يتصوّرون.
الملك لله وحده،
والعاقبة للمتقين.
(المومياء)
النهاية… أقرب… مما يظنّون.