مقالات وآراء

د. عمرو هاشم ربيع يكتب : في مصر الأحزاب على بيع مقاعد البرلمان لا على جذب العضوية بها

الأحزاب المصرية اليوم هي في أسوء مراحل وجودها منذ بدء التعددية الحزبية الثالثة في 11/11/1976، لم تكتف الأحزاب بأن تكون شعبيتها وجماهيريتها في الحضيض، ولا أن تكون رقم صفر وسط أرقام العملية السياسية في مصر المتصف كلها بالهُزال والضعف ما عدى السلطة التنفيذية، بل أنها (أي الأحزاب) تُوغل معظمها في أوحال الرشاوى والفساد، والتدخل الأمني في أدق شئونها.

وبدلا من أن تتنافس من داخلها على كسب عضويات كثيرة، أو فيما بينها على الشعبية في الشارع، ذهب غالبيتها لتتقطع ويتمزق ما تبقى منها من الداخل بسبب السرقة والاختلاس والرشى التي لم تُعد خافية على أحد. اليوم، أصبحت غالبية الأحزاب تتعامل وبشهادة عديد وسائل التواصل الاجتماعي، وكأنها تتسابق في مزاد على مَن مِن المرشحين يدفع لها أكثر نظير المشاركة في الترشح في الانتخابات باسمها وتحت لافتتها. 

مستقبل وطن والقائمة المطلقة يدعمان الفساد

ومما لا شك فيه أن تلك الأحزاب فاقدة الشعبية ولوعي الجمهور بها، إذ لا يعرف المواطن عنها أي شيء تقريبا، حتى تلك التي هي متخمة بالذكريات التي تحملها كتب التاريخ، ويقصد بها هنا تحديدا حزب الوفد، والذي لم يعد منه اليوم سوى الأسم. من هنا فإن وجود تلك الأحزاب في الشارع من خلال الانتخابات لا يُشكل لها أي قيمة، ومن ثم لا يعير لها الناس أي اهتمام، لكن الاهتمام فقط جاء بمناسبة القائمة الموحدة ومستقبل وطن. 

وعلى الرغم من أن أحد مبادئ العلوم الاجتماعية عامة، والعلوم السياسية خاصة، والنظم السياسية بشكل أخص، هو عدم الغوص في التعميم، حتى لا يُصبح المرء مخطأ، ما يجعله مستخدما لكلمات مثل “يبدو” “في الأغلب الأعم” “كاتجاه عام” “على أرجح تقدير”، إلا أن باحث النظم الانتخابية هنا يستطيع بملء فاه إبان الحديث عن الأحزاب المصرية أن يُعمم، ويقول أن كل الأحزاب المصرية اليوم وبلا استثناء أصبحت نسيا منسيا.

من هنا كانت البيئة السياسية للانتخابات المصرية سيئة وفاسدة، فبها أولا النظام الانتخابي الذي هو تزوير لإرادة الناخبين لكونه نظام يحول الـ49% من أصوات المقترعين للقائمة التي صوت لها 51%. وبها أيضا الحزب المدلل من قبل السلطة، وهو حزب مستقبل وطن، والمنشأ في 19أغسطس 2014، أي بعد عدة أشهر من أحداث 30يونيو2013 من قِبلها، بعد أن مَلت السلطة طيلة نصف عقد تقريبا من أن لا يكون لها حزب سياسي على غرار الحزب الوطني الديمقراطي ومن قبله الاتحاد الاشتراكي.

من هنا جاء الإلتحام بين الكيانين كيان قانوني مسخ وشائه ومهجور عالميا اسمه نظام القوائم المطلقة، وكيان مؤسسي منشأ نشأة فوقية، لا علاقة له بأية جماهيرية أو تواجد في الشارع أو بعد اجتماعي أو أيديولوجي أو فكري أو تنظيمي، اسمه مستقبل وطن. التدليل من قبل السلطة مع النظام الانتخابي الشائه أسفر عن الرشاوى الانتخابية وإفساد الحياة السياسية والحزبية في البلاد.

انتقال الفساد إلى الأحزاب الفسيفساء

ولأن مستقبل وطن والسلطة التي انشأته أرادا أن يكون المشهد مسرحي، استمرأ الطرفان وجود كومبارس حولهما، حتى يخيل إلى الناظر أن التجربة رائدة وجيدة، وأنها تعمد للشراكة لا الامغالية على عكس ما كان يفعله الإخوان المسلمين. لكن الوقائع أثبتت أن الأمر تكرر بأشكال مختلفة، فرغم وجود كراتين التموين واستغلال لعوز الناخبين، وهو مشهد متكرر منذ عهد مبارك، ظهرت الرغبة في وجود شكل كاريكاتيري يُفضي لوجود لاعبين أخرين من أحزاب لا تختلف كثيرا عن مستقبل وطن، سوى في أنها فقط أقل تدليلا.

ولعل الغريب في الأمر، أن الممثلين أو الـActors صدّقوا ذواتهم، فراح مستقبل وطن يتحدث عن أنه حزب حقيقي له شعبية وتنظيم يُشابه أحزاب أوروبا، وهو في الحقيقةخاوى الوفاض. الوحيد الذي رفض ولا زال يرفض كل ذلك هو المواطن العادي، الذي لم يُصدق يوما ما كل ما يحدُث، فعزف عن العضوية الحزبية وعزف عن المشاركة في الاقتراع في الانتخابات. 

تكالب حزبي على بيع مقاعد النواب والشيوخ

وقد كانت نتيجة ذلك كله، أن الأحزاب التي اختارها مستقبل وطن لتكون ضمن الـActors على المسرح تنافست وتصارعت وتفجر بعضها من الداخل بسبب تقسيم الكعكة. مستقبل وطن لن يهمه بالضرورة كم وكيف الأحزاب، قدر ما يهمه ثلاثة أمور: حصته هو ذاته، وهي في بالتأكيد حصة ضخمة. ثم حصة المدللين معه، وهي حصة أقل ضخامة، تخص التاليين في التدليل ويقصد بهم حماة الوطن والشعب الجمهوري والجبهة الديمقراطية.

 ثم حصة محدودة توزع على أكبر عدد من الأحزاب، وهي الأحزاب الأكثر ممالأة للسلطة، والتي يهدف بزيادة عددها أن يقال له أنه لا يسعى للمغالبة، مع أنه في حقيقة الأمر غاية في الاحتكار على النحو الذي جرى في انتخابات مجلس الشيوخ مؤخرا، إذ احتكر هو والمدللين الثلاثة الأخرين 80% من مقاعد القائمة وترك لـ 8 أحزاب هي الأكثر تفاهة وضحالة العشرين مقعدا الباقية. أما مقاعد الفردي، فاستحوذ المدللون الأربع على 100% منها. كل المقاعد في القائمة الموحدة في النواب والشيوخ، هي على الأرجح مقاعد للبيع.

الأحزاب والقوى المعارضة معارضة حقيقية بعيدة كلية عن هذا المشهد، وهي تحديدا أغلب أحزاب وقوى الحركة المدنية الديمقراطية وعلى رأسها الاشتراكي المصري والتحالف الشعبي والدستور والمحافظين والكرامة والعيش والحرية، إضافة إلى الأحزاب والقوى الأخرى من خارج الحركة كتحالف 25/30، وتيار الأمل والناصري والشيوعي والنور السلفي.

صراع على المناصب في الأحزاب الأكثر شهرة

الإصلاح والتنمية والوعي وحماة الوطن ومصر الحديثة وقبلهم الوفد..هي أبرز الأحزاب التي تتصارع من الداخل بين قيادات الصف الأول فيها، وأحيانا القيادات منها في بعض المحليات. التنافس على القيادة، واستبداد السلطة، والفساد المالي، وجلب مرشحين بالبراجوت للترشح للنواب والشيوخ، وغلق باب العضوية، وأسباغ الكثير من الأعمال السابقة بتغيير اللوائح الداخلية للحزب، حتى يروق للمستبد أن يفلت بغنيمته، كلها من المظاهر السلبية داخل الأحزاب السياسية اليوم. 

نتائج سيئة لعملية بيع المقاعد

واحد من نتائج بيع الأحزاب لمقاعد البرلمان هي عدم ثقة الناس بالبرلمان، فالمشرع أصبح مشكوكا في نزاهته وشفافيته، بسبب الطريقة التي انتُخب بها. أيضا من نتائج العمل الدوؤب لبيع المقاعد، وإقدام مرشحين بالبرجوت للترشح، هو وصول الخلافات الحزبية إلى النيابة العامة، ولربما ردهات وساحات القضاء ولجنة الأحزاب السياسية. لكن أخطر التداعيات هي سقوط النظام الحزبي، من زاوية الشعبية، ومن ثم وجود أبرز مظهر من مظاهر موت السياسة في مصر، باعتبار الأحزاب أهم مؤسسات التنمية السياسية في المجتمعات المتمدينة. 

الخروج من المأزق

تغيير النظام الانتخابي لكونه السبب فيما لحق بالنظام الحزبي من تدهور، هو أبرز سبل انتشال النظام الحزبي من عثرته، تحرير الإعلام، وإعمال مبدأ فصل السلطات من حيث الواقع، ومدنية مؤسسات الدولة، وتشجيع الأحزاب على الإندماج بوسائل مرتبطة ببقاء الممثل فيها بالمجالس المنتخبة، وعودة المجالس المحلية..إلخ كل ما سبق هو ضمن وسائل إخراج النظام الحزبي من عثرته. مع مطلع 29/2030 ستكون مصر على موعد مع انتخابات الرئاسة، لذلك من المفيد للغاية السير في كل تلك الخطوات قبل بدء هذا الاستحقاق.    

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى