
لم يعد السؤال حول «سلاح المقاومة» مجرد قضية أمنية أو عسكرية، بل صار سؤالًا وجوديًا يمسّ الشرعية الوطنية، والحق التاريخي، والمستقبل السياسي للشعب الفلسطيني.
السلام الحقّ لا يُبنى على تجريد الشعب من وسائل قوته، بل على تحقيق العدالة والكرامة والسيادة. وهنا تبرز مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بما عُرف بـ«الصفقة»، التي حاولت استثمار الحرب والدمار لتفرض على الفلسطينيين ما لم تستطع إسرائيل تحصيله بالقوة.
وهذا ليس نهجًا جديدًا إنما بالعود بخلفية تاريخية يتأكد لنا الجذور.
وعد بلفور (1917): أعطى بريطانيا وعدًا بإقامة وطن قومي لليهود، متجاهلًا الحقوق السياسية للأغلبية من سكان فلسطين الأصليين.
الانتداب البريطاني ( 1920–1948 ): فتح الباب واسعًا أمام الهجرة اليهودية المنظمة وسلب الفلسطينيين حقّهم في الدفاع والتنظيم.
أوسلو ( 1993 ): أسست سلطة بلا سيادة ولا جيش، مقابل وعود سلام وتنمية لم تتحقق.
الخلاصة: كل تجربة تاريخية لنزع أدوات المقاومة أو تحييدها انتهت بتمكين المشروع الصهيوني وتعميق مأساة الفلسطينيين.
الأهداف المعلنة للصفقة ظاهرها فيه الظلم وباطنها فيه القهر والاستبداد. هذه الأهداف:
وقف القتال مقابل نزع سلاح المقاومة تمامًا، مرحلة انتقالية تحت إشراف مجلس أو هيئة دولية مؤقتة، بديلاً عن سلطة فلسطينية موحّدة.
إعمار مشروط تُربط أمواله وموارده بالتزامات أمنية وسياسية.
أما ًالأهداف الحقيقية ( المسكوت عنها ) تهدف الي تفريغ المقاومة من قدراتها العسكرية والسياسية، وتحويل نزع السلاح إلى ثمن لإعادة الحياة المدنية.
إعادة هندسة الحكم المحلي في غزة تحت وصاية دولية تُقصي القوى الوطنية.
استثمار سياسي لترامب داخليًا ودوليًا ليظهر بمظهر صانع السلام بعد أن عجزت الحرب عن تحقيق أهدافها.
باختصار: الرابحون: إسرائيل ( ضمان الأمن وتحييد المقاومة )، قوى دولية تستفيد من عقود الإعمار، أنظمة تبحث عن تهدئة سريعة.
الخاسرون: الفلسطينيون ( إذا رُبطت حقوقهم بالاستسلام )، والقوى الوطنية ( إذا أُقصيت عن القرار )، والشرعية الشعبية ( إذا فُرضت إدارة من الخارج ).
أبرز نقاط الضعف في الصفقة فى:
غياب تفاصيل واضحة حول الجداول الزمنية وآليات الرقابة. استبعاد الممثلين المحليين الشرعيين يكرّس صورة «وصاية استعمارية جديدة». وربط الإعمار بنزع السلاح يجعل الإعمار أداة ابتزاز سياسي بدل أن يكون حقًا إنسانيًا.
وبالعود الحميد إلى التأصيل الشرعي لتأكدنا أن الشريعة تجيز الصلح إن كان يحقق مصلحة المسلمين ويرفع الظلم، لكن لا تجيز التفريط بالحقوق الثابتة أو التنازل عن الأرض والمقدسات.
قال تعالى: «فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون» [محمد: 35].
وقال ابن تيمية: «إذا كان في الصلح مصلحة للمسلمين بلا مفسدة راجحة، جاز».
وعليه، فإن أي اتفاق يُفرغ المقاومة، أو يمنع عودة اللاجئين، أو يتنازل عن القدس، لا يحقق المقاصد الشرعية، بل يُعدّ من الصلح المذموم.
“استراتيجية بديلة للفلسطينيين”
1- توحيد الصف الوطني: عبر وثيقة تحدّد خطوطًا حمراء ( القدس، العودة، السيادة، المقاومة ).
2- إطار قانوني دولي: ضمانات مكتوبة وملزمة قبل أي هدنة.
3- حملة سردية عالمية: فضح مخاطر الوصاية وربطها بتاريخ الاستعمار.
4- إشراف رقابي مستقل: من الأمم المتحدة ومحاكم دولية لضمان نزاهة التمويل والإعمار.
5- توثيق الجرائم: لإبقاء الملف القانوني مفتوحًا في المحاكم الدولية.
6- مقاومة شعبية متوازية: الجمع بين أدوات النضال القانوني والسياسي والمقاومة الشعبية والمدنية.
ختامًا: لن تُسلّم حماس سلاحها إلا في ظروف تتلاقى فيها أربعة شروط:
- عودة الأرض لأهلها،
- قيام دولة فلسطينية شرعية قابلة للحياة،
- وجود جيش وطني يحمي الشعب تحت سلطة مدنية،
- تحقيق العدالة للمهجرين والإعمار الشامل.
أما ما عدا ذلك فليس «سلامًا»، بل استسلام مرفوض يعيد إنتاج الهزيمة تحت ستار إعادة الإعمار.
وبذلك يتضح أن «صفقة ترامب المشبوهة» ليست سوى محاولة جديدة لانتزاع ما عجزت عنه الحرب: هوية المقاومة وسلاحها. التاريخ والشرع يؤكدان أن السلام الحقيقي لن يُعلن إلا بتحقق العدالة والسيادة والحرية.







