مقالات وآراء

شفيق شقير يكتب : ملاحظات على خطة ترامب لوقف الحرب على غزة

مقدمة

تُقايض خطة الرئيس ترامب لوقف الحرب على غزة، بين تقديم حقوق إنسانية للفلسطينيين ومتطلبات إسرائيل الأمنية؛ فتمنح إسرائيل مكاسب سريعة مقابل حقوق مؤجَّلة للفلسطينيين. وحتى لو نُفِّذت “بحسن نية”، فقد تُخرج الفلسطينيين من تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة لتضعهم تحت نوع من “الانتداب” الدولي.

وضعت واشنطن خطة الرئيس دونالد ترامب الشاملة لإنهاء الصراع في غزة، في عشرين بندًا. وقد حظيت بترحيب عربي ودولي واسع، ولم تكن إسرائيل بعيدة عن التأثير في بعض بنودها، ولاسيما تلك المتعلقة باحتياجاتها الأمنية، أو بما يمكن تقديمه للفلسطينيين على نحو لا يحتمله نتنياهو في وضعه السياسي الراهن أو في مستقبله القريب؛

إذ يواجه انتخابات إسرائيلية محتملة قريبًا، كما يخضع لمساءلات قانونية في قضايا سابقة على عملية “طوفان الأقصى”، فضلًا عن قضايا قد تنشأ بعد انتهاء الحرب.

أهم ما في المقترح تتقدم في المقترح الأميركي مسألتان اثنتان:

إطلاق “الأسرى” لدى حماس خلال 72 ساعة من الموافقة على الخطة. إنهاء حماس؛ إذ تنص الخطة منذ بدايتها على أن تكون غزة “خالِية من التطرف والإرهاب”، أي خالية من حماس ومن قوى المقاومة الأخرى. أما باقي البنود فهي إجراءات لترسيخ هذين الهدفين، مقابل بعض التقديمات للفلسطينيين، لكنها في أغلبها تفتقر إلى آليات تنفيذ واضحة.

وبشأن انسحاب إسرائيل من القطاع، فإنه سيكون تدريجيًّا وببطء. وتلحظ الخطة ملءَ الفراغ الناجم عن الانسحاب بانتشار قوة أمنية انتقالية دولية، مع إشراف هذه القوة على تدريب عناصر شرطة فلسطينيين لتسلُّم المهام الأمنية تدريجيًّا. وسيكون إيقاع الانسحاب الإسرائيلي مرتبطًا حتمًا بمسار نزع سلاح المقاومة الفلسطينية وضمان أمن إسرائيل.

أما ما تقدمه الخطة للفلسطينيين فيشمل: عدم احتلال أو ضم غزة وعدم التهجير القسري، وإعادة الإعمار وفق برنامج اقتصادي دولي، وعودة حكم السلطة إلى غزة، ولكن بعد أن “يجد برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية طريقه إلى التنفيذ الدقيق”، وبعد توافر “الظروف المواتية لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة، وهو ما نعترف بأنه طموح للشعب الفلسطيني”. وفي ختام ما نُشر من بنود، “ستُطلق الولايات المتحدة حوارًا بين إسرائيل والفلسطينيين للتوصل إلى أفق سياسي يضمن التعايش السلمي والمزدهر بين الطرفين”.

أهم الملاحظات الملاحظات على المقترح كثيرة، إجمالًا وتفصيلًا، ويكفي هنا إبراز ثلاث منها:

أولًا: انطلق المقترح من فرضية انتصار إسرائيل في الحرب، وأن الاتفاق يوفِّر مخرجًا للطرف “المنهزم”، أي حماس، لتقليل خسائره في أحسن الأحوال، وإلا فإن تبعات الحرب ستقع على الشعب الفلسطيني. فقد قدم الرئيس ترامب “مقترحه” لوقف الحرب على حماس بمنطق: اقبلوه فتتوقف الحرب فورًا، أو ارفضوه فلا تثريب على إسرائيل فيما تفعل. وأكد أن مهلة حماس للرد لا تتجاوز ثلاثة إلى أربعة أيام.

صُمِّم المقترح، شكلًا ومضمونًا، لمحاصرة حماس تفاوضيًّا قبل بدء التفاوض؛ فهو يضعها أمام خيارين صعبين: إن وافقت كما هو وفي هذا الحيز الزمني الضيق، فإنها لا تُنهي وجودها فحسب، بل تُنكر حقها في مبدأ المقاومة، فضلًا عن حق الشعب الفلسطيني. وإن رفضت، تُلقَى عليها تبعات الحرب والتهجير. ومن الطبيعي أن تُجيب حماس -كما في مقترحات سابقة- بـ”نعم مشروطة”، غير أنَّ ظاهر الخطة يوحي بأنها تريد “نعم” أكبر من أي “لكن” لاحقة، لترفع كلفة حماس في أي موقف تختاره. ومهما خضعت الخطة لتعديلات، وهو هامش ضيق على ما يبدو، فالأرجح أنها ستُبقي على أولوية “إطلاق الأسرى” الإسرائيليين في بدايتها؛ فإذا انهارت العملية لاحقًا يكون نتنياهو قد حقَّق هذا الهدف، وهو مكسب ينسجم أيضًا مع طموح ترامب، فيما يُستأنف القتال بمعادلة مختلفة وأقل وطأة سياسيًّا على الحكومة الإسرائيلية.

ثانيًا: تفتقر الخطة إلى تفاصيل وآليات تطبيق حاسمة -وهي غالبًا أهم من النصوص العامة- وخاصة في الجانب المتعلق بالتزامات إسرائيل. فلا وضوح كافيًا فيما يمسُّ المطالب الفلسطينية: بدءًا من شروط الانسحاب الإسرائيلي وحدود التحكم بها، مرورًا بطبيعة القوة الدولية التي ستدير غزة، وصلاحياتها في إدارة الخدمات وحماية السكان، وعلاقتها مع الاحتلال، وتوقيت وكيفية تسليم الصلاحيات إلى السلطة، ومعايير “تأهيل” السلطة وزمن جهوزيتها. بل لا جلاء في تعريف حقوق الشعب الفلسطيني، بما فيها الحقوق السياسية وحق تقرير المصير. هذا إذا تجاوزنا أن الخطة لا تؤكد بوضوح حق الفلسطينيين في دولة، بل تكتفي بالإقرار بأن ذلك “طموح” معترف به.

ثالثًا: تُخضع الخطة غزة لأول مرة لصيغة إدارة دولية؛ إذ تنص على أن “تحكم غزة لجنة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط” تتولى “الإدارة اليومية للخدمات العامة والشؤون البلدية”، وأن تكون هذه اللجنة تحت “هيئة انتقالية دولية” جديدة تسمى “مجلس السلام”، يرأسها الرئيس ترامب مع أعضاء ورؤساء دول سيُعلَن عنهم، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير. ومن مهام هذه الهيئة “إنشاء نظام حكم” و”جذب الاستثمارات”. وبالعودة إلى ظروف إعداد الخطة، يبدو أن شقَّها الاقتصادي صُمِّم ليلبِّي طموحات ترامب. وهنا تبرز أسئلة كثيرة: لا تواريخ محددة لعودة غزة إلى السلطة، ولا معايير واضحة للحكم على “جهوزية” السلطة، ولا مصدر شرعية واضحًا ومحددًا لهذه الهيئة خصوصًا أنها بلا تفويض دولي ولا تفويض فلسطيني. وما الذي يمنع، إذا فُرض هذا النموذج على غزة، أن يُفرض لاحقًا على الضفة؟ وبدل أن يكون مرحلة تقود إلى دولة فلسطينية، قد يتحول إلى مرحلة تقود إلى نظام بلديات معزولة تحت إشراف دولي.

خاتمة

تُقايض الخطة، في الغالب، بين تقديم حقوق إنسانية للفلسطينيين ومتطلبات إسرائيل الأمنية؛ فتمنح إسرائيل مكاسب سريعة مقابل حقوق مؤجلة للفلسطينيين. وحتى لو نُفِّذت “بحُسن نية”، فقد تُخرج الفلسطينيين من تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة لتضعهم تحت نوع من “الانتداب” الدولي، وربما خارج إطار الأمم المتحدة وبالتنسيق مع الاحتلال. كما تُقدِّم نموذجًا جديدًا للتعامل مع حقوق الفلسطينيين المجمَع عليها في القانون الدولي، فتجعلها خاضعة للاعتبارات السياسية ولموازين القوى.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى