مقالات وآراء

د. محمد عماد صابر يكتب : لماذا رفض قادة القسّام خطة الذل التي طرحها ترامب؟

في ظلّ العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة من 20 بندًا لإنهاء الحرب. أعلنت إسرائيل موافقتها الفورية، بينما أبدى بعض قادة حماس السياسيين انفتاحًا حذرًا على مناقشتها، غير أنّ كتائب القسّام رفضت الخطة بشكل قاطع، معتبرةً إياها مشروعًا لتصفية المقاومة وإخضاع القطاع لوصاية دولية.

أولاً: مشروع تصفية لا مشروع تهدئة.


رغم عنوانها “وقف إطلاق النار”، تحمل الخطة بنودًا جوهرها:
نزع سلاح حماس وتجريدها من قدرتها الدفاعية.
إقصاء الحركة عن إدارة غزة، واستبدالها بإدارة دولية– عربية مؤقتة.
فرض واقع أمني جديد تحت مسمى “قوة استقرار دولية”.
وبذلك تتحوّل الخطة إلى مسار لتصفية المقاومة لا لإنهاء الحرب.

ثانياً: ورقة الأسرى.. مكسب مجاني للاحتلال.


تنص الخطة على تسليم جميع المحتجزين الإسرائيليين خلال 72 ساعة من وقف إطلاق النار، مقابل وعود غامضة بالإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين. هذا البند يعني:
خسارة حماس أهم ورقة تفاوضية بيدها.
تحرير إسرائيل من أي ضغط مستقبلي، ومن ثم استئناف الحرب متى شاءت.

ثالثاً: انعدام الثقة بالتجارب السابقة.


تاريخ الصراع يثبت أنّ إسرائيل لا تلتزم بالاتفاقيات إلا بما يخدم مصالحها:
اغتيالات متكررة لقادة المقاومة أثناء الهدن والمفاوضات.
محاولات استهداف لقيادات حماس حتى في الخارج، كما حدث في الدوحة مؤخرًا.
لهذا السبب، يرى قادة القسّام أن أي ضمانات أميركية أو إسرائيلية لا قيمة عملية لها.

رابعاً: وصاية دولية بوجه جديد.


البند الخاص بنشر “قوة استقرار دولية مؤقتة” في غزة اعتُبر شكلاً جديدًا من الاحتلال:
يُقصي الفلسطينيين عن إدارة شؤونهم.
يكرّس وصاية خارجية على القطاع.
يمنح الاحتلال فرصة للسيطرة بآليات ناعمة.

خامساً: “المنطقة العازلة” وسجن غزة الأكبر.


تشير الخطة إلى إقامة منطقة أمنية عازلة على الحدود مع مصر وإسرائيل. النتيجة المباشرة:
توسيع الحصار القائم.
تحويل غزة إلى سجن أكبر محاصر من جميع الجهات.

سادساً: البعد الشرعي والسياسي للرفض.


رفض القسّام يستند إلى اعتبارات شرعية وسياسية واضحة:

  • 1- الحق الشرعي في المقاومة ضد الاحتلال، وهو ثابت بنصوص القرآن والسنة.
  • 2- رفض الاستسلام المجاني تحت مسميات براقة.
  • 3- الحفاظ على الكرامة والسيادة كجزء من واجب الأمة.

القانون الدولي بدوره يعترف بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال ( مع اختلاف حول الوسائل )، ويُلزم قوة الاحتلال بحماية المدنيين، بينما يحظر عليها فرض ترتيبات أمنية تخدم مصالحها على حساب السكان

سابعاً: دروس التاريخ القريب.


اتفاقية أوسلو (1993) أعطت الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا محدودًا، لكنها لم تُنهِ الاحتلال، بل زادت تعقيداته.
حرب لبنان 2006 أظهرت أن التمسك بخيار المقاومة يمكن أن يفرض على الاحتلال توازن ردع ويمنعه من تحقيق أهدافه.
التجارب تؤكد أن مشاريع التسوية غير العادلة لم تجلب سوى مزيد من الإذلال، بينما أثبتت المقاومة قدرتها على فرض وقائع جديدة.

خاتمة:


موقف كتائب القسّام ليس تعنتًا، بل إدراك استراتيجي لطبيعة الخطة الأميركية– الإسرائيلية: مشروع إذلال وتصفية، لا مشروع سلام. لذلك جاء الرفض حاسمًا:

  • لا نزع للسلاح.
  • لا تسليم للأسرى بلا ضمانات.
  • لا وصاية دولية على غزة.

لا منطقة عازلة تُكبّل المقاومة.
إنه موقف يؤكد أن المقاومة لا تساوم على كرامة شعبها وحقه في الحرية، وأن أي حل سياسي لا يضمن السيادة الكاملة للشعب الفلسطيني لن يكتب له الحياة.
“وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الحج: 40).

وأما بخصوص ردّ حماس المتوقع على خطة ترامب، أرى أنه سيكون مزيجًا من الواقعية والصلابة:
واقعية في قبول وقف الحرب والإعمار وتبادل الأسرى.
صلابة في رفض نزع السلاح أو الوصاية الأجنبية أو التفريط في الأقصى والضفة.
وهذا الرد لا يعكس مجرد تكتيك سياسي، بل هو امتداد لواجب شرعي واستراتيجي، يجمع بين صمود المجاهدين وثوابت الدين، وبين إدراك موازين القوى وإدارة الصراع.


فالخطة– كما يبدو– ليست نهاية الحرب، بل مرحلة جديدة من جولات الصراع الطويل، حيث تبقى المقاومة الفلسطينية على عهدها:
“المقاومة مستمرة ما دام الاحتلال قائماً”.


المراجع
‏1. BBC & Reuters — تقارير عن رفض قيادة القسام وطرح خطة ترامب.
‏2. PBS / AP — نصوص البنود العشرين للخطة.
‏3. Al Jazeera — تحليل الخطة وبنودها الأمنية.
‏4. ICRC — القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني، حظر أخذ الرهائن، تعريف الاحتلال.
‏5. Encyclopaedia Britannica — مراجعة اتفاقية أوسلو.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى