
بموقفها الذي أعلنته، أعادت حماس لف الحبل على عنق نتنياهو، لم يكد هذا الأخير ينتهي من نشوة كاذبة قال بشأنها “عزلنا حماس بعدما كانت تريد عزل اسرائيل”، حتى كانت الحركة المقاومة، قد قلبت المعادلة، وأعادت ترتيب الموقف على قاعدة المبادئ الأساسية المحددة للخيار الفلسطيني .
وضعت الحركة موقفها وتقديرها للتعاطي مع ورقة ترامب، تحت سقف الثوابت الخمس التي لا يمكن التنازل عنها، منع التهجير، سلاح المقاومة، ادارة القطاع ضمن الإطار الفلسطيني، الانسحاب وصفقة تبادل الأسرى ووقف شامل لاطلاق النار، والشق الإنساني المتعلق باعادة الاعمار .
صاغت المقاومة تقديرها وموقفها داخل هذه المحددات والثوابت، ووسط اكراهات ضاغطة، من الأطراف المتفاعلة حتى، قبل واشنطن والكيان، ذلك أن اعلان موقف رافض بشكل راديكالي، كان سيعزل الحركة ويعدم مساحة المناورة الممكنة بالنسبة لها، نتنياهو كان يأمل أن ترفض حماس المقترح ليكسب الجولة الأخيرة، فهو لا يريد نهاية الحرب، لأن ذلك يفتح له أبواب السجن.
إضافة الى التصرف بمسؤولية اتجاه الحاضنة الشعبية في قطاع غزة التواقة الى وقف اطلاق النار، أعطت المقاومة قراءة ايجابية ومرنة للحالة التفاوضية القائمة، بكل استحقاقاتها السياسية ومعطياتها الميدانية، على نحو يثبتها كطرف رئيس في معادلة الحل، ويعزز وجودها كفاعل فلسطيني شريك في القرار الوطني، ومؤثر في الخيارات المستقبلية للقضية الفلسطينية.
كان لافتا في التقدير السياسي الذي صاغته الحركة، تجاهل الاشارة الى ملف سلاح المقاومة، وهذا يعني أن الحركة ترسل بذلك رسالة واضحة بأن سلاح المقاومة يبقى خارج أي نقاش في الوقت الحالي، ثمة تأسيس لهذا الرد على قاعدة التشاور مع شركاء الساحة الفلسطينية، ومع الأطراف العربية والاسلامية المتفاعلة، والارتكاز على استدعاء ذكي للقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، بما يسند موقفها على مستند من القانون والشرائع الدولية .
من المبكر الدخول في حسابات المنجز والخسارة، أو التسليم بوجود حسم لكل المسائل على نحو سريع، ترامب تاجر سياسي يتأرجح مثل البورصة، سيحتاج الأمر الى كثير من الوقت، حتى انهاء كافة الترتيبات المتعلقة بصياغات الحل النهائي، ووضع الآليات التتفيذية لذلك، وقد يرتبط ذلك ببعض المتغيرات داخل الكيان، اذ من المتوقع أن يندفع اليمين الأكثر تطرفا داخل حكومة الكيان الى مقاومة أية صفقة لا تحقق الغايات المشؤومة لتيار بن غفير وشريكه سموتريش.