وفاة أحمد طالب الإبراهيمي مهندس تعريب التعليم ووزير الخارجية الجزائري الأسبق عن عمر 93 عامًا

توفي، الأحد، الوزير والدبلوماسي الجزائري السابق أحمد طالب الإبراهيمي، عن عمر ناهز 93 عامًا، وهو أحد أبرز وجوه الدولة الجزائرية بعد الاستقلال، والمعروف بأنه مهندس تعريب التعليم في البلاد.
إعلان الوفاة ورسالة تبون
وأعلن التلفزيون الجزائري الرسمي نبأ الوفاة، فيما وجّه الرئيس عبد المجيد تبون رسالة تعزية إلى عائلة الراحل، عبّر فيها عن “خالص مواساته للشعب الجزائري في فقدان أحد كبار رجاله”.
وقال تبون في الرسالة إن الجزائر فقدت “اسما مذكورًا بحظوة ومكانة الشخصيات الوطنية ذات القدر المستحق”، مشيدًا بمسار الإبراهيمي الذي “جمع بين حكمة السياسي ورصانة المثقف ووطنية المناضل المجاهد”.
وأضاف أن الراحل “التحق فتيا بالاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، وواصل مسيرته الحافلة بالمهام والمسؤوليات السامية التي رفعته إلى مقام خيرة رجال الدولة الوطنيين الأوفياء الغيورين على الجزائر”.
ابن عالم وإرث وطني
ينحدر أحمد طالب الإبراهيمي من أسرة علمية عريقة، فهو نجل الشيخ البشير الإبراهيمي، أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست عام 1931، وتُعد من أبرز رموز النهضة الدينية والفكرية في الجزائر.
ولد الإبراهيمي في 5 يناير/كانون الثاني 1932 بولاية برج بوعريريج شرق البلاد، والتحق بالمدرسة الفرنسية، ثم جامعة الجزائر عام 1949، حيث بدأ نشاطه السياسي والطلابي المبكر.
من النضال الطلابي إلى الثورة
خلال ثورة التحرير (1954–1962)، برز الإبراهيمي كأحد مؤسسي اتحاد الطلبة الجزائريين الذين التحقوا بالكفاح المسلح في 19 مايو 1956، وهو التاريخ الذي أصبح لاحقًا “عيد الطالب الجزائري” تخليدًا لذلك الحدث.
وبعد استقلال الجزائر عن فرنسا في 5 يوليو 1962، بدأ الإبراهيمي مسيرته السياسية داخل الدولة الجديدة، فتولى عدة حقائب وزارية أبرزها:
- وزير التعليم العالي والثقافة والإعلام في عهد الرئيس هواري بومدين (1965–1978)،
- ثم وزير الخارجية في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد (1982–1988).
مهندس تعريب التعليم في الجزائر
اشتهر الإبراهيمي بصفته مهندس مشروع تعريب التعليم في الجزائر، إذ قاد جهود تحويل التعليم في المدارس الجزائرية من الفرنسية إلى اللغة العربية، معتبرًا ذلك ركيزة للهوية الوطنية بعد عقود من الاستعمار الثقافي الفرنسي.
وقد لاقى مشروعه آنذاك تأييدًا واسعًا من التيار الوطني والإسلامي، لكنه واجه أيضًا انتقادات من بعض النخب الفرنكفونية التي رأت في التعريب تحديًا للنظام التعليمي القائم.
محطات سياسية بارزة
في تسعينيات القرن الماضي، انقطع الإبراهيمي عن العمل السياسي بسبب الأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد.
لكنه عاد إلى الواجهة عام 1999 حين ترشّح للانتخابات الرئاسية، قبل أن ينسحب عشية الاقتراع احتجاجًا على ما وُصف حينها بـ”التزوير لصالح عبد العزيز بوتفليقة”.
وفي مطلع الألفية، أسس حزبًا سياسيًا باسم “الوفاء”، وُصف بأنه إسلامي محافظ، إلا أن السلطات رفضت منحه الترخيص، وظل المشروع معلقًا.
كما حاول الترشح مجددًا في رئاسيات 2004، لكن المجلس الدستوري رفض ملفه بدعوى وجود “نقائص إدارية”، رغم ما أُثير لاحقًا عن اختفاء وثائقه من مقر المجلس نفسه.
مفكر وكاتب
بعد انسحابه من الحياة السياسية، تفرغ الإبراهيمي للتأليف والمحاضرات الفكرية، وأصدر عدة كتب من أبرزها:
- مذكرات جزائري،
- المعضلة الجزائرية.. الأزمة والحل.
كما كان حاضرًا في النقاشات الوطنية الكبرى، وبرز اسمه خلال الحراك الشعبي عام 2019 كأحد الشخصيات التوافقية لقيادة مرحلة انتقالية، لكن هذا الخيار لم يُفعّل بعد قرار المؤسسة العسكرية تنظيم انتخابات رئاسية مباشرة فاز فيها تبون لاحقًا.
رحيل رمز وطني
برحيل أحمد طالب الإبراهيمي، تفقد الجزائر أحد رموز جيل الاستقلال، ورجل الدولة الذي جمع بين فكر النهضة وإرث الثورة، تاركًا وراءه مسيرة سياسية وثقافية غنية امتدت على مدى سبعة عقود من العمل العام.
“رحل مهندس التعريب ومجاهد الفكر والسياسة، لكن أثره باقٍ في الذاكرة الجزائرية كرمزٍ للهوية الوطنية والإصلاح.”