أخبار العالمالعالم العربيترجمات

ميدل إيست آي: إرث ملطّخ بالحروب: ماذا يفعل توني بلير في الشرق الأوسط منذ 2007؟

يظل إرث رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير مرتبطًا بشكل وثيق بـ غزو العراق عام 2003 وتداعياته التي ما زالت تلقي بظلالها على الشرق الأوسط حتى اليوم.
ورغم الاحتجاجات الواسعة على دوره في الحرب، والدعوات لمحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية، فإن بلير واصل منذ خروجه من الحكم عام 2007 الانخراط بعمق في شؤون المنطقة، سواء عبر مهامه الرسمية كمبعوث دولي، أو من خلال علاقاته السياسية والاقتصادية الخاصة مع حكامها.

مبعوث “ضعيف ولا مبالٍ” للسلام في الشرق الأوسط

بعد مغادرته رئاسة الوزراء في 27 يونيو/حزيران 2007، تم تعيين بلير مبعوثًا رسميًا للجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط (الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة)، بهدف التوسط في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

لكن تعيينه قوبل بجدل واسع، إذ كان يُنظر إليه على أنه منحاز لإسرائيل والولايات المتحدة بسبب موقفه في حرب العراق.
وقال مراسل الـBBC في الشرق الأوسط آنذاك، جيريمي بوين:

“الإسرائيليون يحبون بلير لأنهم يعتقدون أنه إلى جانبهم، والفلسطينيون لا يثقون به لنفس السبب.”

ورغم إشادته سابقًا بدوره في اتفاق “الجمعة العظيمة” في أيرلندا الشمالية عام 1998، فإن بلير فشل في إحراز أي تقدم حقيقي في عملية السلام، وتعرض لانتقادات متكررة بسبب تغييبه المتعمد عن مهامه، حتى وُصف بأنه “مبعوث بدوام جزئي”.

بين عامي 2007 و2015، شهدت المنطقة صعود تنظيم الدولة، والحروب في سوريا، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة، وصولًا إلى انهيار عملية السلام نهائيًا عام 2014.
وفي نهاية فترته، اعتبر كثيرون أن بلير فقد تأثيره بالكامل، واتُهم بتضارب المصالح نتيجة علاقاته التجارية مع شركات وأنظمة استبدادية في المنطقة.

علاقات وثيقة مع حكام مستبدين

رغم تهميشه في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، وسوء سمعته لدى الشعوب العربية، إلا أن بلير نجح في توطيد علاقاته مع عدد من حكام الشرق الأوسط.

  • معمر القذافي:
    زار بلير ليبيا عدة مرات أثناء عمله كمبعوث، مستخدمًا الطائرات الخاصة للقذافي، وبرر لقاءاته بأنها “غير رسمية”، رغم ما كشفته تقارير صحفية عن اصطحابه رجال أعمال ومليارديرات أمريكيين في تلك الزيارات.
    وقبل سقوط القذافي عام 2011، حاول بلير إقناعه بـ مغادرة البلاد لتجنب الحرب، دون جدوى.
  • عبد الفتاح السيسي:
    بعد انقلاب 2013 في مصر، كان بلير من أوائل المرحّبين بعزل الحكومة المنتخبة، وبدأ منذ عام 2014 تقديم استشارات اقتصادية لنظام السيسي رغم القمع الواسع للمعارضة.
    واعتبر مراقبون أن بلير ساهم في تلميع صورة النظام المصري والترويج لما وصفه بـ “الفرص التجارية” في ظل الانتهاكات.
  • محمد بن سلمان:
    العلاقة الأبرز كانت مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث ساهم معهد توني بلير للتغيير العالمي (TBI) في صياغة رؤية السعودية 2030، وتلقى المعهد ملايين الدولارات من الرياض.
    ورغم مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، دافع بلير عن استمراره في التعاون مع السعودية قائلاً: “ما زلت أؤمن بأن الانخراط في الحوار هناك له ما يبرره رغم الجريمة الفظيعة التي حدثت.”

كما قدم خدمات مدفوعة الأجر إلى البحرين والإمارات، رغم سجلهما في قمع المعارضة السياسية.

تعامله مع حركة حماس

خلال عمله مبعوثًا للرباعية، التقى بلير عدة مرات بقادة حركة حماس، بمن فيهم خالد مشعل في الدوحة عام 2015، قبل استقالته من منصبه.
واصل بعدها الحوار مع الحركة بشكل غير رسمي، لمناقشة قضايا رفع الحصار عن غزة وتحسين الأوضاع الاقتصادية.

ووفقًا لتقارير موقع ميدل إيست آي وصحيفة الغارديان، فقد التقى بلير بمسؤولي حماس سبع مرات على الأقل، واستمرت الاجتماعات حتى ساعات متأخرة من الليل.
كما ناقش مع قادة الحركة وثيقة المبادئ الجديدة لعام 2017 التي تضمنت القبول بدولة فلسطينية على حدود 1967، حيث عرض بلير نقل مسودتها إلى واشنطن لكن مشعل رفض.

وفي عام 2024، عقب اغتيال إسماعيل هنية في طهران، صرّح بلير بأن حماس لا يمكن أن تستمر في حكم غزة بعد هجمات 7 أكتوبر 2023، في موقفٍ يعكس ابتعاده تمامًا عن أي مسار تواصلي معها.

بلير بين السياسة والأعمال

منذ مغادرته منصبه، دمج بلير نشاطه السياسي بالاستشاري والتجاري عبر مؤسساته الخاصة، أبرزها “Tony Blair Institute for Global Change”، الذي يقدّم خدمات استشارية لحكومات حول العالم، معظمها في الشرق الأوسط وإفريقيا.
ويقول منتقدوه إن بلير استغل سمعته الدولية ومناصبه السابقة لتعزيز مصالحه المالية، بينما يراه مؤيدوه خبيرًا استراتيجيًا يساهم في تحديث الأنظمة الاقتصادية.

خلاصة

منذ عام 2007 وحتى اليوم، ظل توني بلير حاضراً في الشرق الأوسط ليس كمبعوث سلام، بل كـ فاعل سياسي وتجاري مثير للجدل.
فبين إرثه الملطخ بحروب العراق وغزة، وعلاقاته الوثيقة بالحكام المستبدين، ودوره المتقاطع بين السياسة والمال، يبدو أن الرجل الذي روج لـ”السلام العالمي” قد أصبح جزءًا من شبكة السلطة والمصالح التي يعارضها كثيرون في المنطقة.

المصدر: ميدل إيست آي

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى