العالم العربيفلسطين

عامان من الجوع والموت البطيء في غزة.. إسرائيل تحوّل الحصار إلى سلاح إبادة جماعية

يوماً بعد آخر، وعلى مدار عامين متواصلين، يتعمّق الجرح الإنساني في قطاع غزة، حيث يشتدّ الحصار الإسرائيلي الجائر الذي يمنع دخول الغذاء والدواء، ويحوّل الحياة إلى صراع يومي من أجل البقاء.

لم تعد المأساة تقتصر على ضحايا القصف والدمار، بل امتدت لتطال الأطفال الذين يموتون جوعاً واحداً تلو الآخر، في مشهد يعيد إلى الأذهان صور الحروب والمجاعات القديمة، لكن هذه المرة تحت سمع وبصر العالم كله.

المجاعة المعلنة رسميًا

في 22 أغسطس/آب 2025 أعلنت المبادرة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، حالة المجاعة في مدينة غزة شمال القطاع، متوقعةً امتدادها إلى دير البلح وخان يونس جنوباً.

وضمّت المبادرة 21 منظمة دولية، من بينها الفاو واليونيسف ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي، التي أكدت أن سياسة إسرائيل القائمة على تجويع المدنيين باتت تشكل أحد أخطر أشكال الإبادة الجماعية الحديثة.

وخلال الشهور الأخيرة، حذّر برنامج الأغذية العالمي من أن ثلث سكان غزة — أي نحو 800 ألف إنسان — لم يتناولوا وجبة كاملة منذ أيام، بينما يعيش أكثر من نصف السكان على فتات المساعدات التي تصل متقطعة، تحت رقابة إسرائيلية مشددة.

محمد.. جسد يبحث عن الحليب

في إحدى خيام النزوح غرب غزة، يرقد الطفل محمد المطوق (عام ونصف)، جسده لا يتجاوز وزنه 6 كيلوغرامات بعد أن فقد نصف وزنه بسبب سوء التغذية.

أضلاعه البارزة وبكاؤه الواهن صرخة في وجه العالم الصامت. أمّه لا تملك سوى ماءٍ تُسكته به بعد أن نفد الحليب، والمعابر مغلقة منذ مارس/آذار 2025، في حين تتكدس مئات شاحنات الإغاثة على الحدود، ممنوعة من الدخول.

كريم.. أنفاس على أنبوب أكسجين

أما كريم معمر (3 أعوام)، فصار يتنفس بصعوبة خلف أنبوب أكسجين، بعد أن أنهكه الجوع والمرض.

يعاني كريم من متلازمة فانكوني الوراثية، لكن الحصار الإسرائيلي حوّل مرضه النادر إلى حكم بالموت البطيء، بعد نفاد الأدوية والمكملات الغذائية من مستشفيات القطاع.

يقول الأطباء إن حالته تجسد كيف أصبح الحصار نفسه “أداة قتل ممنهجة” بحق الأطفال المرضى.

أسامة ومسْك.. أجساد تذوب

الطفل أسامة الرقب (4 أعوام) تحوّل إلى هيكل عظمي بعدما تراجع وزنه إلى 9 كيلوغرامات فقط.
صوره في أحد مستشفيات خان يونس هزّت ضمير العالم، لكنها لم تغيّر شيئاً في الواقع، حيث لا غذاء ولا دواء.

أما مسك بلال المدهون (6 أعوام)، فتعاني ضموراً دماغياً تفاقم مع سوء التغذية.
لم تعد قادرة على النطق أو الحركة، وصمتها الموجع يختصر حكاية جيلٍ بأكمله يُحرم من حق الحياة.

ضحايا التجويع بالأرقام

بحسب تقارير المستشفيات ومنظمات الإغاثة، قضى 460 فلسطينياً خلال العامين الماضيين جوعاً، بينهم 154 طفلاً، نتيجة سياسة الحصار ومنع الغذاء والدواء.

وفيما يلي نماذج من ضحايا تلك الجريمة الإنسانية:

  • 30 أغسطس 2025: وفاة الرضيعة رانيا غبن في مستشفى الرنتيسي بسوء التغذية.
  • 23 أغسطس: وفاة راسيل أبو مسعود (شهران) في مستشفى ناصر بخان يونس.
  • 22 أغسطس: وفاة غدير بريكة (5 أشهر) بسبب نقص الحليب.
  • 7 أغسطس: وفاة رؤى ماشي (عامان) ومحمد عصفور (عام وأربعة أشهر) جراء الجوع.
  • مايو 2025: وفاة الرضيعة جنان السكافي (4 أشهر) بعد عجز المستشفى عن توفير الحليب والعلاج.
  • أغسطس 2024: وفاة لينا الشيخ خليل (4 أعوام) في وسط القطاع.
  • يوليو 2024: وفاة حكمت بدير (6 أعوام) في دير البلح.

الحصار كسلاح حرب

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تواصل إسرائيل حرب الإبادة على غزة، التي أودت بحياة أكثر من 67 ألف شهيد و169 ألف جريح، معظمهم من الأطفال والنساء.

لكن سياسة الحصار الخانق أضافت بعداً جديداً للكارثة، إذ تحوّل التجويع إلى سلاح فتاك يقتل بصمت من نجا من القصف.

ورغم الإدانات الدولية المتكررة، لا تزال إسرائيل تمنع دخول الغذاء والدواء وتسمح فقط بشحنات محدودة “لتجميل صورتها”، في حين تتعرض بعض القوافل الإنسانية للسطو من ميليشيات محلية تقول حكومة غزة إن تل أبيب توفر لها الحماية.

خاتمة: جريمة مكتملة الأركان

ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، تُنفذ على مرأى العالم.

يموت الأطفال ببطء، بينما تكتفي الأمم المتحدة بالتنديد، وتستمر القوى الكبرى في تزويد إسرائيل بالسلاح والدعم السياسي.

في غزة، لم يعد الموت يأتي من السماء فقط، بل من المعدة الخاوية، ومن زجاجة حليب فارغة لا تجد طريقها إلى طفلٍ يتنفس بالكاد.
وإذا كانت الحروب تقتل مرة، فإن الحصار الإسرائيلي يقتل كل يوم ألف مرة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى