حرب السادس من أكتوبر.. ملحمة العبور وإعادة الكرامة

في السادس من أكتوبر عام 1973، دوّت صيحات التكبير من الضفة الغربية لقناة السويس، لتعلن بدء واحدة من أعظم ملاحم البطولة والفداء في التاريخ المصري الحديث.
لم تكن الحرب مجرد معركة عسكرية بين جيشين، بل كانت حرب وجود وكرامة، خاضها الشعب المصري كله لاسترداد الأرض والعزة بعد ست سنوات من الانكسار في نكسة 1967.
العبور العظيم
في تمام الثانية ظهرًا، أطلقت المدفعية المصرية نيرانها الكثيفة على طول الجبهة، فزلزلت الأرض تحت أقدام العدو.
وفي دقائق معدودة، كانت قوات المهندسين العسكريين تفتح الثغرات في أقوى خط دفاعي عرفه التاريخ الحديث: خط بارليف، ذلك الحاجز الترابي المنيع الذي قيل إنه لا يُقهر إلا بقنبلة نووية.
لكن المصريين قهروه بـالماء والإرادة. فبخراطيم المياه القوية، فُتحت الثغرات في الساتر الرملي، واندفعت موجات العبور من قوات المشاة تحمل العلم المصري فوق ضفة القناة الشرقية، لتبدأ صفحة جديدة من الكبرياء الوطني.
التخطيط والإعداد
لم يكن النصر وليد صدفة، بل ثمرة إعداد دقيق وتخطيط علمي محكم قاده الرئيس الراحل محمد أنور السادات والقيادة العامة للقوات المسلحة بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلي ووزير الحربية الفريق أحمد إسماعيل.
فمنذ عام 1968 بدأ الجيش المصري مرحلة إعادة البناء، والتدريب على العبور، وتطوير أساليبه القتالية في ضوء خبرة الهزيمة، حتى صار مستعدًا لخوض حرب العقول قبل السلاح.
وقد جمعت خطة الحرب بين الدهاء السياسي والذكاء العسكري، إذ نجحت مصر في تحقيق عنصر المفاجأة الاستراتيجية الكاملة، بينما كان العدو الإسرائيلي يعتقد أن العرب غير قادرين على القتال قبل عشر سنوات على الأقل.
الدور العربي
لم تكن معركة مصر وحدها، بل كانت معركة الأمة كلها. فقد دعمت الدول العربية الشقيقة مصر وسوريا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وقررت دول الخليج العربي استخدام سلاح النفط كورقة ضغط في وجه القوى الغربية الداعمة لإسرائيل، ليصبح العرب لأول مرة موحدين خلف هدف واحد: استرداد الكرامة.
الصمود والتحديات
مع الأيام التالية للعبور، خاض الجيش المصري معارك شرسة ضد محاولات العدو للالتفاف والهجوم المضاد، خاصة في معركة المزرعة الصينية ومعارك الدفرسوار. ورغم صعوبة الظروف، ظل المقاتل المصري يقاتل بإيمان راسخ بأن الله ناصره، وأن الوطن يستحق التضحية.
وقد قال أحد القادة الإسرائيليين لاحقًا:
“لم نكن نحارب جيشًا من البشر، بل كنا نحارب من آمن بأن الله معه”.
النتائج والآثار
أعادت حرب أكتوبر الثقة للمصريين والعرب في أنفسهم، وأثبتت أن الإرادة تصنع المستحيل.
ورغم أن المعركة انتهت بوقف إطلاق النار، إلا أن نتائجها الاستراتيجية والسياسية كانت أكبر من حدود الجبهة:
- تحطيم أسطورة “الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر”.
- استعادة مصر لسيناء عبر المسار العسكري ثم السياسي.
- تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط.
- عودة مصر إلى موقعها القيادي في العالم العربي.
كما كانت الحرب نقطة انطلاق نحو اتفاقية السلام التي أنهت حالة الحرب الطويلة مع إسرائيل، وأعادت كامل أرض سيناء إلى السيادة المصرية في 25 أبريل 1982.
رمزية النصر في الوجدان المصري
لا تزال ذكرى السادس من أكتوبر حية في وجدان كل مصري، ليست مجرد حدث تاريخي، بل رمز لإرادة التحدي والإيمان بالمستقبل.
ففي كل عام، يتجدد العهد مع الشهداء الذين رفعوا راية الوطن بدمائهم، ومع كل جندي حمل روحه على كفه من أجل أن تبقى مصر حرة أبية.