حوارات وتصريحات

الدكتور سعود المولى يكشف جذور العلاقة بين الحوثيين وحزب الله وتحولات المذهب الزيدي في اليمن

تناول الباحث والمفكر العربي الدكتور سعود المولى في حواره مع اليمن بودكاست، تطور العلاقة بين الحوثيين وحزب الله، والتحولات الفكرية والسياسية التي شهدها المذهب الزيدي في اليمن خلال العقود الماضية، مسلطًا الضوء على جذور هذه الحركات وأدوارها في المشهد الإقليمي الراهن.

من إعجاب بتجربة اليسار إلى دراسة الزيدية عن قرب

قال المولى إنه تابع الشأن اليمني منذ ستينات القرن الماضي حين كان شابًا مهتمًا بالثورة اليمنية وحصار صنعاء عام 1970، معجبًا آنذاك بتجربة اليسار اليمني في الجنوب، قبل أن يتجه لاحقًا إلى دراسة المذهب الزيدي والعلاقات القبلية وتأثيرها في الحركة الحوثية من منظور فكري واجتماعي.

وأوضح أنه عاش مراحل التحول الفكري والسياسي في اليمن عن قرب، مشيرًا إلى أن اهتمامه بالمذهب الزيدي لم يكن من منطلق مذهبي، بل من زاوية سوسيولوجية لفهم تشابك الدين بالقبيلة والسياسة في المجتمع اليمني.

حسين الحوثي بين بيروت وصعدة

استعاد الدكتور المولى لقاءه المبكر مع حسين بدر الدين الحوثي منتصف التسعينات في بيروت، بدعوة من الشيخ محمد مهدي شمس الدين، موضحًا أن الحوثي كان في تلك الفترة عضوًا في حزب الحق ويمتلك حضورًا فكريًا وشخصية جذابة، قبل أن يتجه لاحقًا إلى تأسيس الحركة التي حملت اسمه.

وأشار المولى إلى أن العلاقة بين الحوثيين وحزب الله لم تكن في بداياتها علاقة مؤسسية عميقة، بل بدأت بمحاولات تنسيق محدودة من خلال والده بدر الدين الحوثي مع قم، وتطورت لاحقًا بعد مقتل حسين الحوثي عام 2004.

وأوضح المولى أن الدعم الإيراني في تلك المرحلة كان يتم عبر قنوات دينية وسياسية في طهران، أكثر من كونه عبر حزب الله مباشرة.

علي عبد الله صالح وتحوّلات الزيدية

تحدث المولى مطولًا عن دور الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، واصفًا إياه بـ”الداهية” الذي استطاع أن يوازن بين القوى الزيدية والقبلية والسلفية بعد الوحدة اليمنية عام 1990.

وأشار إلى أن صالح دعم في البداية اتحاد “الشباب المؤمن” وحزب الحق ضمن سياسة موازنة النفوذ الديني والسياسي، لكنه لاحقًا دخل في صراع مفتوح مع الحوثيين مع تصاعد نفوذهم في صعدة وظهور الجناح السلفي بزعامة مقبل الوادعي.

وأكد المولى أن التحولات الزيدية بعد عام 1990 ارتبطت بعودة الصحوة الدينية، وببروز التيار السلفي الذي مثّل تحديًا للزيدية التقليدية، مما دفع الحوثيين إلى إعادة إحياء خطابهم العقائدي والسياسي بشكل أكثر حدة.

من حروب صعدة إلى نموذج حزب الله

أوضح المفكر اللبناني أن الحروب الست التي خاضها الحوثيون بين 2004 و2010 ضد نظام صالح كانت مرحلة تحول جوهرية، إذ بدأوا خلالها في بناء تنظيمهم العسكري والسياسي على غرار نموذج حزب الله اللبناني.

وأضاف أن الهوية الحوثية تطورت من حركة دينية محلية إلى مشروع سياسي–عسكري منظم، يعتمد على هيكل داخلي وانضباط شبيه بما لدى حزب الله، لافتًا إلى أن مراسم تشييع حسين الحوثي عام 2012 كانت متأثرة تمامًا بالرمزية والأسلوب اللبناني في العرض والشعارات والانضباط الميداني.

وأشار المولى إلى أن الحوثيين تأثروا بخطاب حزب الله ومظهره التنظيمي، لكنهم تجاوزوه لاحقًا بالاستحواذ الكامل على السلطة في صنعاء، بخلاف حزب الله الذي بقي لاعبًا داخل منظومة الدولة اللبنانية دون السيطرة عليها كليًا.

المذهب الزيدي بين الاجتهاد السياسي والسلطة

في محور المذهب، أكد المولى أن الزيدية مذهب يجمع بين الاعتزال والاجتهاد السياسي، وأنها عُرفت تاريخيًا بأنها “شيعة السنة وسنة الشيعة”، لكنها تحوّلت مع الحوثيين إلى بنية طائفية مغلقة تمحورت حول فكرة “النسب الهاشمي” والولاية السياسية.

وأوضح أن الحوثيين أعادوا إحياء فكرة الإمامة في البطنين، أي قصر القيادة على نسل الحسن والحسين، مما أعاد المذهب الزيدي إلى مرحلة “الهادوية المتوكلية” القديمة بعد أن كان قد اندمج في الدولة الجمهورية بعد ثورة 1962.

وقال المولى إن هذا التحول أخرج الزيدية من إطارها الاجتهادي المرن إلى حركة مذهبية–قبلية مسلحة تسعى إلى احتكار التمثيل الديني والسياسي في شمال اليمن.

علاقة الحوثيين بالقبيلة: تحالف هش ومؤقت

تطرق المولى إلى علاقة الحوثيين بالقبائل اليمنية، مؤكدًا أن تلك العلاقة “تحالف مصلحي مؤقت” وليس اندماجًا حقيقيًا، وأن القبائل ستحاول الانفكاك عن الحوثيين فور ضعفهم، مستشهدًا بحوادث سحل بعض المشايخ الذين عارضوا الحركة.

وقال إن الحوثيين استغلوا تفكك البنية القبلية الذي أحدثه نظام علي عبد الله صالح لعقود، فبنوا نفوذهم على فراغ اجتماعي ونظام محلي هش، معتمدين على الولاءات المؤقتة والمصالح الشخصية أكثر من الروابط العقائدية.

وأضاف أن الحوثيين حولوا المجتمع إلى بيئة مغلقة خاضعة لهيمَنَة فكرية وثقافية، تبدأ من التعليم والإعلام إلى الرموز الدينية والطقوس اليومية.

من حزب المؤتمر إلى هيمنة الحوثيين

رأى الدكتور سعود المولى أن الحوثيين التهموا الحاضنة الزيدية التي كانت تمثلها قواعد حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي أسسه علي عبد الله صالح، وأعادوا تشكيلها في إطار مذهبي مغلق.

وقال إن التجربة اليمنية تُشبه في هذا الجانب علاقة حزب الله بحركة أمل في لبنان، إذ يستحيل الحديث عن مستقبل الزيدية دون استحضار المؤتمر الشعبي كقاعدة اجتماعية وسياسية سابقة.

الحوثيون ونهاية الدور الإقليمي لحزب الله

وفي مقارنة بين الحالتين اللبنانية واليمنية، أشار المولى إلى أن حزب الله يمرّ بمرحلة تراجع داخلي بعد عزله عن حلفائه وتزايد الاعتراضات في الطائفة الشيعية اللبنانية، بينما يسعى الحوثيون لتقديم أنفسهم كـ”ذراع إيران الأهم في المنطقة” ووريث تجربة حزب الله.

ورجّح المولى أن الحوثيين سيتجهون قريبًا نحو تسويات داخلية وإقليمية نتيجة استنزافهم الطويل، مشيرًا إلى أن أي اتفاق إيراني–أمريكي سيؤثر مباشرة على مسار الحوثيين كما أثّر سابقًا على حزب الله في لبنان.

مستقبل اليمن بين السلاح والمصالحة

أكد المولى أن مستقبل اليمن يتوقف على وجود قوى وطنية مستقلة قادرة على جمع الفرقاء اليمنيين على كلمة سواء، بعيدًا عن التحالفات الإقليمية، داعيًا إلى صياغة مشروع وطني شامل يقوم على المصالحات الأهلية، وإعادة بناء النخبة العسكرية والسياسية، والتأسيس لدولة مدنية اتحادية تضمن العدالة والتنمية.

وختم المفكر اللبناني حديثه قائلاً:

“اليمن في القلب، ولن ينهض إلا بالمصالحة الوطنية وبناء ثقافة عسكرية وسياسية جديدة تحفظ كرامة الإنسان اليمني وتعيد التوازن بين مكوناته.”

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى