مقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب: أوراق ليبرالية ٣.. الليبرالية كما أفهمها.. بين الإيمان والحرّية.. والحضارة المصريه

هذه الأوراق ليست بحثًا في الفلسفة ولا درسًا في الفكر، بل رحلةٌ في إنسانيّة العقل. محاولة لإعادة تعريف وفهم الليبرالية المصريه ،لا بوصفها نظرية أو حزبًا أو لافتة، بل روحًا أخلاقيةً تبحث عن الحقيقة والجمال، وتؤمن أن الكلمة الحرة مسؤوليّة، وأن المثقف هو ضمير مجتمعه حين يغفو، وصوته حين يختنق الهواء بالكتمان.

اندهش ممن يستغرب ، انشغالي بمشروع المركز الثقافي المصري في اسطنبول ولا يفهم الرساله كرساله جوهرية وليست ثانوية

فحين تضطرب البوصلة، يقف المثقف على الحافة بين الخوف والرجاء، لا ينبغي أن يكتفي بالمراقبة من بعيد، أو يلوذ فقط بالنقد او بالصمت، بل يختار أن يكتب ان يفعل وأن يُوجِع بالصدق في اجاده العمل.

فالثقافة التي لا تمسّ الوطن،ولا تدعم ثقته في قدرة وقدرته،ليست ثقافة، والوعي الذي لا يغيّر شيئًا في الواقع ليس وعيًا بل لغوا.

لم يعرف المثقف المصري في تاريخه خصومةً بين الحاضر والماضي ، بين الإيمان والحرية، ولا بين العقل والضمير. وُلد كثيرٌ من أبرز مفكرينا ومثقفينا ،في رحاب الأزهر، وقرأوا كتب التراث كما قرأوا كتب الفلسفة، دون أن يشعروا بتناقضٍ بين الاثنين.

فالليبرالية المصرية كانت دائمًا جسرًا من الأخلاق والإنسانية، تسير في الاتجاه ذاته الذي سارت فيه رسالة الأديان، نحو التسامح، والصدق، والعدل، واحترام الإنسان وتقدير كرامته فوق كل القيم الأخرى.

ليست الليبرالية صراعًا مع الدين،كما يتوهم البعض، بل استكمالٌ لجوهر قيمه، في بعده الإنساني. فكلّ القيم التي بشّرت بها الديانات الكبرى — من الرحمة إلى الحرية إلى قبول الآخر — هي قلب الفكرة الليبرالية.

يؤمن الدين بالمسؤولية الفردية، وبأن الإنسان حرّ ما دام صادقًا مع نفسه، مسؤولًا أمام ضميره ومجتمعه.وتقدم الليبرالية خارطة تنفيذية للكثير من الإشكاليات المعاصرة ،المرتبطه لزوما بهذا التوجه الكلي

أزمة المثقف الحقيقه ،لا تكمن في نقص المعرفة، بل في غياب الرسالة الكلية والانشغال بالتفاصيل.

فحين تتحوّل الكلمة إلى زينة، ويفقد الفكر ضميره، تنكمش الثقافة الحقيقه في قاعات مغلقة، وشعارات مفرغه ،ويغدو المثقف شاهدًا لا فاعلًا.

بينما المثقف الحقيقي هو من يربط فكره بعمله، ويحمل وعيه كجسرٍ للآخرين، لا كمنبرٍ لنفسه.كما يفعل بعض نجوم الوان مان شو علي شاشات التلفزيون ومنصات التواصل في تقاطع اكثر منه تواصل.

المثقفون الذين صنعوا ضوء هذا الوطن لم يكونوا يومًا منفصلين عن الناس. عاشوا آلامهم، وكتبوا من وجدانهم، وآمنوا أن الحرية ليست رفاهيةً فكرية، بل شرطُ كرامة الإنسان.

الليبرالية في وجدانهم لم تكن شعارًا سياسيًا، بل سلوكًا أخلاقيًا قوامه الصدق، والعدل، والرحمة، والجرأة على قول الحقيقة دون خصومةٍ مع أحد.

ودون معايره للناس بضعفهم او معايده عليهم.

حين بدأنا في تأسيس المركز الثقافي المصري في إسطنبول، لم نرد له أن يكون جدرانًا أو قاعاتٍ فقط للعرض،

بل مساحةً لليقظة؛ مكانًا يلتقي فيه الفكر بالذوق، والفن بالعقل، والهوية بالحلم. أردناه بيتًا للثقافة المصرية الحرة التي تؤمن بأن الإبداع لا يعيش إلا في مناخٍ من التسامح والاحترام المتبادل.

الليبرالية التي نؤمن بها لا تعادي الإيمان، بل تُسير خلفه في بعده الإنساني. فهي قيم الحقّ والعدل والصدق والحرية، قيمٌ تصنع مجتمعًا يُكرّم الإنسان لأنه إنسان، لا لأنه يشبهنا أو يوافقنا.

أقول للمثقفين في مجال الإعلام وهم قله القله

المثقف الحقيقي يكتب ويتحدث ليقرّب المسافات بين المختلفين، لا ليُشيّد الأسوار بينهم، ويؤمن أن الحوار ليس ضعفًا، بل ذروة القوة.

ونحن في مجتمعاتنا أهل حوار.

كل كلمةٍ حرةٍ تخرج من قلبٍ نزيهٍ هي فعلُ إيمانٍ بوجهٍ آخر. فالإيمان والحرية لا يتناقضان إلا حين يُفرّغهما البعض من جوهرهما. والليبرالية، حين تلتزم بالصدق والشفافية والعدل، لا تسير خارج طريق الأديان، بل في موازاته، نحو الغاية نفسها: إنسانٌ أكرم، ومجتمعٌ أعدل، ووطنٌ أصدق.

الليبرالية ليست دينا ولا إيمانًا جديدًا، ولا حتي ايدلوجيه تتصادم مع غيرها ،بل ضميرٌ يذكّرنا بما نسيناه.

المثقف الليبرالي لا يرفع سيفًا، ولا يطلق شعارًا، بل يزرع كلمةً تشبه البذرة في أرضٍ عطشى. يؤمن أن الشمس — وإن غابت — لا تموت، وأن الحرية، كالإيمان، تحتاج فقط إلى من يصدقها… ليولد النور من جديد.

وللحديث بقية

الصور المرفقة بهذا المقال هي رسائل منهم أو إليهم وإلي غيرهم ممن لم انشر صورهم

لكنهم في ذهني جميعا وأنا أكتب هذه السطور.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى