
في زمنٍ تتغير فيه الموازين وتتشابك فيه التحالفات، يثبت الشعب الفلسطيني مرةً أخرى أنه الركيزة الأولى في معادلة الكرامة، وأنه البطل الحقيقي في هذه المعركة التي أرادها العدو حرب إبادة، فتحوّلت بفضل الصبر والثبات إلى ملحمة بقاءٍ وصمودٍ أسطوري.
أولاً: الشعب البطل من تحت الركام، ومن بين الأنقاض، خرجت فلسطين تقول للعالم: “ما زلت هنا”.
إنّ صبر هذا الشعب— بجرحاه وأطفاله ونسائه ورجاله— قد تجاوز حدود التحمل البشري، لكنه في ميزان الإيمان والكرامة هو تاجٌ على رؤوس الأحرار.
لقد واجه الفلسطينيون حرب تجويعٍ وتدميرٍ وتضليلٍ إعلامي، لكنهم قدّموا للعالم نموذج الأمة الحيّة التي لا تموت مهما تكالبت القوى.
كل بيتٍ في غزة والضفة والقدس والشتات صار جبهةً للمقاومة، وكل طفلٍ وامرأةٍ ورجلٍ بات رمزًا للصبر والتحدي.
إنّهم باختصار، شعب الأنبياء الذي لم يبدّل تبديلاً.
ثانيًا: المقاومة وعبقرية التخطيط
أما المقاومة الفلسطينية، فقد أثبتت أنها ليست ردّ فعلٍ غاضبًا بل عقلٌ وعيٌ وتخطيطٌ دقيق.
منذ اليوم الأول للمعركة، تعاملت المقاومة بوعيٍ سياسي وعسكريٍّ متكامل، راعت فيه البُعد الإنساني، وأدارت المعركة بميزانٍ دقيق بين الصمود العسكري والوعي الإعلامي والاتصال الشعبي.
إنّ نجاحها في إبقاء المبادرة بيدها رغم الحصار والعدوان يؤكد أنها تملك مشروعًا لا يُهزم، وأنها لا تقاتل عن غزة وحدها، بل عن الأمة كلها.
لقد كشفت هذه الحرب عن وعيٍ استراتيجيٍّ عميق لدى قيادة المقاومة، التي لم تركن إلى ردود الأفعال، بل وضعت خطوطًا قادمة تستوعب كل الاحتمالات، وتعيد بناء الموقف الفلسطيني على أساس الكرامة والسيادة لا المساومة والوصاية.
ثالثًا: الحذر من الغدر ونقض العهود.
ومع اقتراب أعلان اتفاق التهدئة عصر اليوم ، تأتي لحظة الاختبار الأخطر.
فالعدو الصهيوني لا يعرف عهدًا ولا يفي بوعد، بل يجيد المكر والخداع السياسي.
التاريخ شاهدٌ أن كل اتفاقٍ كان عنده مرحلةً جديدة من العدوان، وأن كل هدنةٍ كانت فرصةً لإعادة التموضع والاستعداد لجولةٍ أشدّ.
لذلك وجب على المقاومة أن تحذر الغدر، وأن تحصّن صفوفها، وأن تبقى في أقصى درجات الجاهزية، وألا تُسلّم سلاح الوعي مهما اختلفت ميادين الصراع.
كما أن من واجب الأمة ومؤسساتها وقياداتها السياسية والإعلامية ألا تُفرّط في دماء الشهداء ولا تُغريها جوائز السلام الكاذبة.
رابعًا: نحو الخطوط القادمة
إنّ هذه المرحلة تتطلب من المقاومة والشعب معًا الانتقال من الدفاع إلى البناء، ومن الصمود إلى ترتيب الخطوط القادمة.
- توحيد القيادة الميدانية والسياسية.
- تعزيز التواصل مع الحلفاء والأحرار في العالم.
- تحصين الجبهة الداخلية من الاختراقات.
- بناء خطابٍ سياسيٍّ وإعلاميٍّ موحدٍ يعبّر عن الثوابت ويكسب الرأي العام الدولي.
- وضع رؤيةٍ استراتيجية لإدارة ما بعد الحرب، في الإعمار، والتعليم، والوعي الجمعي.
خاتمة: في النهاية، نقولها بصدقٍ ووضوح:
الشعب الفلسطيني هو عنوان البطولة، والمقاومة هي عقلها الواعي، والأمة كلها مدينة لهما بالدعم والحماية.
ومن يظنّ أن المعركة انتهت فقد جهل طبيعة هذا الصراع، فالميدان القادم ليس فقط في غزة، بل في وعي الأمة واستعدادها لاستكمال طريق التحرير.
اللهم احفظ فلسطين وأهلها، وثبّت المجاهدين، واجعل دماء الشهداء نورًا يضيء طريق الأمة إلى النصر.